للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسر إليه بنار الشوق مجتهدا … عَسَاَكَ تَلْقَى على نار الغرام هُدى

فمن وفقه الله تعالى لسداد الأمر، صَبَّره في إقامتها ولو على أحرَّ من الجمر، فيتجرع مَرارة غَصَّتِها، حتى تجتلي عروسُ المرادِ على مِنَصَّتِها، ويا سعدَ من تَرِح (١) قليلاً، وفرح طويلاً، وكَبَح يسيراً، وربح كثيراً، يلقى بُرْءاً من لأوائها، فيوُقَى بها من مصائب الدنيا وبلائها، عَضَّ على ناجذ الصبر ساعات، فأعقبته في الآخرة راحات وإسباغات، ثبت قدمه العلية وهمته السَّنِيَّة، إلى أن تأتيه المنية، وكان بها وقد وافت، وساره ملك/٦٥ الموت وخافت، فدُفِنَ في تربته الطيبة الطاهرة، وغُيِّبَ في بقعته المقدسة الزاهرة، متمسكاً بجوار أولئك الأخيار من أهل التقى، مستوثقاً من قرب تربتهم، بالعروة الوثقى، مُؤْثِراً على الدنيا الآخرة فإن الآخرة خير وأبقى، فطوبى لمن أسكنه الله في تلك المعاهد والديار، وشملته أنوار تلك المعالم والآثار، وقضى فيها ما قد بقي من الأنفاس والأعمار، يحاسن فيه الفقير العديم ويواسيه، ويصابح فيه النبي الكريم ويماسيه، يرفع حاجته إليه، ويبث ضروراته بين يديه (٢)، يُسلِّم عليه شاكياً ذنوبه، ويصلي عليه، ذاكراً مقابحه وعيوبه، يتمرغ في تراب التذلل خاشعاً، ويتمسكن بباب التوبة عند الشفيع المشفع خاضعاً.

وأيم الله، إنه لجدير أن لا يقوم إلا وقد غفرت خطاياه، وكثرت عطاياه، وانقلب بالمنح الجزيلة من آماله مطاياه، وقضيت أوطاره وحاجاته، وقربت بالإقبال والقبول سراره ومناجاته.

فيا سعد من لم يستعظم احتمال المشقات، واعتمال محاسن العادات،


(١) الترح: الهمُّ. القاموس (ترح) ص ٢١٤.
(٢) رفع الحاجات وبث الضروريات هذا مما لايجوز البتة طلبها من أي نبي مرسل أو ملك مقرّب، وشكوى الذنوب إنما تكون إلى الله عز وجل.