للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأرى قطوعي قد بلين وأصبحت … أبناء قومي ذكرهن قليل

فنتحت أطعم ملء مروق قطرة … حتى تكمَّشَ (١) للرجاء رحيل

حتى أُلاقي معشراً مالي لهم … حلُّ ومالهم لنا مبذول

أرضٌ بِهَا ندعى قبائل سالمٍ … ويُجيب منها مالك وسلول

قوم أولوا عِزٍّ وعُزي غيرهم … إن الغريب ولو أُجير ذليل

ومضى الرَّمَقُ حتى قَدِمَ على أبي جُبَيْلةَ الغساني (٢) ملك الشام، فشكى إليه حالهم وغلبة اليهود عليهم، وما يتخوفون منه، وأنَّهم يَخشون أن يُخرجوهم، وأنشده شعراً، فتعجب من شعره وبلاغته وقبحه ودمامته، فقال: عسل طيب في وعاءٍ خبيث. فقال الرُّمَقُ: أيها الملك إنَّما تَحتاج من الرجل إلى أصغريه؛ لسانه وقلبه. فقال: صدقت.

وأقبل أبو جبيلة في جمع عظيم لنصرة الأوس والخزرج، وعاهد الله تعالى أن لا يبرح حتى يُخرج مَنْ بِهَا من يهود، أو يُذلهم، ويصيرهم تحت أيدي الأوس والخزرج، فسار وأظهر أنه يُريد اليمنَ حتى قدم المدينة، وهي يومئذ تسمى يثرب، فلقيه الأوس والخزرج وأعلمهم ماجاء به، فقالوا: إن عَلِم القوم ما تريد تَحصنوا في آطامهم فلم تقدر عليهم، ولكن ادعهم للقائك وتلطفهم حتى يأمنوك ويطمئنوا فتتمكن منهم، فصنع لهم طعاماً وأرسل إلى وجوههم ورؤسائهم، فلم يبق من وجوههم أحد إلا أتاه، وجعل الرجل منهم يأتي بِحَامَّتِهِ (٣) وحشمه رجاء أن يَحْبُوهُم (٤)، وكان قد بنى حيزاً وجعل فيه قوماً، وأمرهم أن يقتلوا من دخل عليهم منهم ففعلوا حتى أتوا على وجوههم


(١) تكمّش: أسرع. القاموس ص ٦٠٤.
(٢) أبو جبيلة بن عبد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جسم بن الخزرج، ملك الغسانيين في الشام. جمهرة أنساب العرب ص ٣٥٦.
(٣) الحَامَّةُ: خاصة الرجل من أهله وولده. القاموس (حمم) ص ١٠٩٧.
(٤) حبا فلاناً: أعطاه. القاموس (حبا) ص ١٢٧٢.