للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيأكلونَها (١).

وهذا من باب الاتِّساع والاخْتِصار وحذفِ المُضافِ، والتَّقْدِير: يأكل أهْلُها أَمْوَال القُرَى، ويَغْلِبُ أَهْلُها بالإسلام ونَصْرِ رَسُولِ اللّه - صلى الله عليه وسلم - على غَيْرِها مِن أهل المُدِنِ والقُرَى (٢).

وفي إيثار صِيغَةِ المُبالَغَةِ في التَّسْمِيَةِ إِشْعارٌ بأنَّ انْتِشَار الإسلام وغَلَبَةَ أهل المدينة واستيلاء الصَّحابَةِ على مُدِنِ الدُّنيا بفتْحِها وَتَسْخِيرِها يكُونُ سَرِيعًا ذَريعًا في مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَقَدْ كانَتْ، ولله الحمد، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللّه زوى لي الأرْضَ فَأُرِيتُ مَشَارِقَها ومَغَارِبَها، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أمَّتي ما زُوِيَ لي منها" (٣).

وَسُمِّيَتْ أكَّالَةَ البُلْدَانِ لأنَّ اللّه سُبْحَانَهُ وتعالى أمرها بأن تُعْلِيَ وتَرفعَ سُطُوحَها على سُطُوحِ البُلْدَانِ، وكُلُّ ما علا على شَيْءٍ وارْتَفَع عَنْهُ قَدْرًا وسَما عَلَيْهِ رتبة حتى احتُقر صَغُر ذلك الشَّيءُ دونَه، وتضاءل فضلًا في ليانَةٍ ولدُونَةٍ، فإنَّه يُقَالُ عَنْهُ: أكله أو بَلَعَهُ يستعيرون الأكْل والبلع لشِدَّةِ العُلُوِّ وقوةِ الاستيلاء وسلطانِ القَهْرِ كما هُو هِجِّيرُهم (٤) في أساليب بلاغاتهم.

وكتب عُثْمانُ إلى عَليٍّ - رَضِي الله عَنْهما - يوم الدَّارِ في جُمْلَةِ كتابٍ:

فَإِنْ كنْتُ مَأكولًا فكُن خَيْرَ آكِلٍ … وإلَّا فَأَدْرِكني وَلَمَّا أُمَزَّقِ (٥)


(١) النهاية في غريب الحديث والأثر ١/ ٥٨.
(٢) غريب الحديث للخطابي ١/ ٤٣٤، المجموع المغيث ١/ ٨٢.
(٣) جزء من حديث طويل، عن ثوبان، مرفوعًا.
أخرجه مسلم، في الفتن، باب هلاك هذه الأمة بعض ببعض، رقم: ٢٨٨٩، وأبو داود، في الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها، رقم: ٤٢٤٩، ٥/ ١٣ - ١٤، والترمذي، في الفتن، باب ما جاء في سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا في أمته، رقم: ٢١٧٦.
(٤) أي: دأبهم وشأنهم. القاموس (هجر) ص ٤٩٥.
(٥) أنساب الأشراف ق ٤ ح ١/ ٥٦٨. عيون الأخبار ١/ ٣٤، الكامل للمبرد ص ٢٦، والبيت=