للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي حديث ليس إسناده بالقائم: "اللهُمَّ أَحيني مِسْكينًا، وَأَمِتْني مِسْكِينًا، واحْشُرْني في زُمْرَةِ المساكين" (١). والمُراد بالمسكين: المُسْتكين الخاضِعُ الخاشِعُ المُتَواضِع.

قال ابنُ بَرِّي: اعْلم أن هذه المَسْألَة قد اخْتَلفَ فيها أَئِمَّةُ اللُّغَةِ؛ فذهب يُونُسُ إلى أنَّ الفقير أحسن حالًا من المسكين، وزعَمَ أَنَّهُ سَألَ بَعْضَ العَرَب فقالَ لَهُ: أَفَقِيرٌ أَنْتَ أم مسكين، فقال: لا والله بَلْ مِسْكِينٌ، فأَعْلَمَ أَنَّهُ أَسْوَأُ حالًا من الفَقيرِ، وإلى هذا القَول يذهب ابن السِّكيت (٢) وغيره، واحْتَجُّوا على هذا القَول بقول الرَّاعي:

أمَّا الفَقِيرُ الذي كانَتْ حَلوبَتُهُ … رِفْقَ العِيالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَه سَبَدُ (٣)

فأثْبَتَ أن للفَقِيرِ حَلُوبَةً، وجعلها رفقا لعياله. وقول مالِكٍ رَحِمَهُ الله في هذا كَقَوْل يُونس.

وقالَ الأصْمُعي: المِسْكِينُ أَحْسَنُ حالًا من الفقير (٤) وإلى هذا القَوْلِ


(١) روي عن أنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري، وعبادة بن الصامت، وابن عباس.
أما حديث أنس، فقد أخرجه الترمذي، في الزهد، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، رقم: ٢٣٥٢. والبيهقي في السنن ٧/ ١٢.
أما حديث أبي سعيد، فقد أخرجه ابن ماجه، في الزهد، باب مجالسة الفقراء، رقم: ٤١٢٦.
وقد أورد الألباني في إرواء الغليل ٣/ ٣٥٨ - ٣٦٣ شواهده، وتحدث عن عللها ثم قال: إن جميع طرق هذا الحديث لا تخلو من مادح، إلا أن مجموعها يدل على أن للحديث أصلًا، فإن بعضها ليس شديد، والحديث بمجموعهن أحسن. ثم قال: لم ينزل إلى مرتبة الضعيف، وإنما إلى مرتبة الحسن. والله أعلم.
(٢) إصلاح المنطق ص ٣٢٦.
(٣) ديوانه ص ٦٤، والسبد: بقية من نبت. اللسان (سبد) ٣/ ٢٠١.
(٤) تهذيب اللغة ٩١١٤، اللسان (سكن) ١٣/ ٢١٥.