للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من لفظة الفقير، وكان الأولى بهذه اللفظة أن تكون لمن لا يسأل ذلك الفقر الذي أصابه، فلفظة المسكين من هذه الجهة أشد بؤسًا من لفظة الفقير، وإن كانت حالة الفقير في القلة والفاقة أشد من حال المسكين.

وأصل المسكين في اللغة: الخاضع، وأصل الفقير: المحتاج، فلهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا" (١)، أي: خاضعًا لك يا رب ذليلًا غير متكبر، وليس يراد بالمسكين - هنا - الفقير المحتاج.

وقد يمكن أن يكون من هذا قوله سبحانه وتعالى في الحكاية عن الخضر عليه السلام: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (٢). فسماهم مساكين لخضوعهم وذلهم من جور الملك الذي يأخذ كل سفينة وجدها في البحر غصبًا.

وقد يكون المسكين مقلًا ومكثرًا، إذ الأصل في المسكين أنه من المسكنة، وهو الخضوع والذل، ولهذا وصف الله تعالى (٣) المسكين بالفقر لما أراد أن يعلم أن خضوعه لفقر لا لأمر غيره، وذلك في قوله سبحانه: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦)} (٤) والمتربة: الفقر، وفي هذا حجة لمن جعل المسكين أسوأ حالًا، لقوله: {ذَا مَتْرَبَةٍ} وهو الذي لصق بالتراب لشدة فقره، وفيه أيضًا - حجة لمن جعل المسكين أصلح حالًا، لأنه أكد حاله بالفقر، ولا يؤكد الشيء إلا بما هو أوكد منه (٥).


(١) تقدم تخريجه قبل قليل.
(٢) سورة (الكهف) آية: ٧٩.
(٣) هنا كلمة غير واضحة، ويبدو أنها غير واضحة في الأصل الذي نسخت منه هذه النسخة، فقد علّم عليها الناسخ بعلامة التوقف (ط).
(٤) سورة (البلد) الآيات: ١٤ - ١٦.
(٥) اللسان (سكن) ١٣/ ٢١٦، وقد اعتمد عليه المؤلف في هذه المسألة.