للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمسلم في الوجه الآخر، وهو الانقطاع، من أسلمه إذا قطعه، قال الأعشى (١):

وفاضت دموعي فطل الشؤو … ن إمَّا وكيفًا وإما انحدارا

كما أسلم السلك في نظمه … لآلئ منحدراتٍ صغارا

السلك: خيط اللؤلؤ، يعني انقطع السلك فانحدرت اللؤلؤ، شبه دموعه بذلك في انقطاعها وانحدارها. قال زهير:

يشج بها الأماعز وهي … هويَّ الدلو أسلمها الرشاء (٢)

يصف حمارًا أو أتانًا يسرع، أي: يعدو بها عدوًا سريعًا فشبه سرعة عدوها بدلو قد انقطعت من الرشاء، أي الحبل، فمرت مرًا سريعًا.

وأسلمها: أي انقطع عنها. فكان المسلم هو المنقطع إلى الله تعالى، المتبتل إليه، الذي أسلم نفسه له بالطاعة، وانقطع بالعبودية الخالصة، قالَ تعالى في إسلام إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١)} (٣) أمره تعالى في حال كونه مؤمنًا بإسلام نفسه إليه، بإخلاص العبودية له، وأن لا يدعي لنفسه ملكًا على نفسه وعلى ما ملكت يده، وأن ينقطع إليه من بين جميع خلقه وكذلك وصى به بنيه ألا يموتوا إلا وهم مسلمون، قد أسلموا أنفسهم لله بالعبودية الخالصة، والقيام بطاعته.

فسميت مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمراد بها أهلها، لأنهم انقادوا لله تعالى بالطاعة والاستسلام، وبادروا إلى نصرة نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وافتخروا بإيوائه وتنزيله على جميع الأنام، وارتادوا له من أمور الدين ما أراد، وتلقوه بالإذعان


(١) ديوانه ص ٨٢، ورواية البيت الأول فيه: ففاضت دموعي كفيض الغروب ....
والبيت الثاني (من) بدل (في).
(٢) شعره ص ١٣٠، ورواية الشطر الأول: فشج بها الأماعز فهي تهوي.
(٣) سورة (البقرة) آية: ١٣١.