للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وفي النصوص الصحيحة من السنة النبوية ما يبلغ التواتر المعنوي في النهي عن مجاوزة الحدود الشرعية بالإفراط أو التفريط. وهذه العناية البالغة بهذا الأمر كانت - والله أعلم - لأمرين:

الأول: إن الإنسان بطبيعته البشرية يميل إلى الغلو والإسراف، ويقع فيه ما لم يوجد لديه رادع ذاتي من الفقه بالشريعة، أو رادع خارجي ينبهه إلى تجاوزه الحد، ويحمله على الوقوف عنده.

الثاني: الخطر العظيم للغلو على الشريعة عقيدة وعملاً، كما تثبت وقائع التاريخ.

فالشرك إنما حدث في البشر بسبب الغلو، كما جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وقالوا لا تذرنَّ آلهتكم ولا تذرنّ ودًّا ولا سواعًا ولا يغوثَ ويعوقَ ونسرًا} (١) قال: «هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أنِ انصبوا إلى مجالسهم التي كان يجلسون أنصاباً وسمُّوها بأسمائهم (يعني لكي تتذكروهم فتقتدوا بهم) ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسَّخ العلم عُبدت» (٢).

وقال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوّروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.

قال أحد العلماء في التعليق على هذا: «وما زال الشيطان يوحي إلى عباد القبور ويلقي إليهم أن البناء والعكوف على القبور من محبة أهل القبور من الأنبياء والصالحين، وأن الدعاء عندها مستجاب، ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء بها والإقسام على الله بها، فإن شأن الله أعظم من أن يقسم عليه أو يسأل بأحد من


(١) سورة نوح، آية رقم: ٢٣.
(٢) أخرجه البخاري، في التفسير، باب: ودّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق، رقم: ٤٩٢٠، ٨/ ٥٣٥.