للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منها نُهير من نار، وأخذ في وادي أحيليين المتقدم ذكره، وأهل المدينة يبصرونها من دورهم كأنها عندهم، وبين أيديهم، وأهل ينبع يبصرونها من بلدهم، وهي ترمي بأمثال الجبال حجارة من نار، تذكرهم قول الله تعالى: {إنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كَأنَّهُ جِمَلَتٌ صُفْرٌ} (١)، وبقيت مدة ثلاثة أشهر تَدُبُّ في الوادي دبيب النَّمل، تأكل كل ما مرت عليه من جبل أو حجر، ولا تأكل الحشيش ولا الشجر، والشمسُ والقمرُ في المدة التي ظهرت فيها هذه النار ما يطلعان إلا كاسفين.

وعجائب هذه النار وعظمتها يَكلُّ عن وصفها اللسان والأقلام، و يَخلُّ عن أن يحيط بشرحها البيان والكلام، وفي هذا المعنى يقول قائلهم:

يا كاشف الضُّرِّ صفحاً عن جرائمنا … لقد أحاطتْ بنا ياربُّ بأساءُ

نشكو إليك خُطُوباً لانُطيق لها … حملاً ونحن بها حقاً أحقاءُ

أقام سبعاً يرج الأرض فانصدعت … وكيف تقوى على الزلزال شمَّاءُ

زلازلٌ تخشع الصُمُّ الصلابُ لها … عن منظرٍ منه عينُ الشمسِ غبراءُ

ترى لها شرراً كالقصر طائشة … كأنَّها دِيمة (٢) تنصبُّ هطلاءُ

تنشقُّ منها بيوت الصخر إن زَفَرَتْ … رعباً وترعد مثل الشعف (٣) أضواءُ

منها تكاثف في الجوِّ الدخان إلى … أن عادت الشمسُ منه وهي دهماءُ (٤)

قد أثَّرتْ سفعة (٥) في البدر لفحتها … فليلة التِّمِّ (٦) بعد النور ليلاءُ

تُحَدِّثُ النيرات السبع ألسُنَها … بما تلاقي بها تحت الثرى الماءُ


(١) المرسلات:٣٢ - ٣٣.
(٢) الدِّيمَةُ، بالكسر: مطر يدوم في سكون بلا رعد وبرق. القاموس (دوم) ص ١١٠٨.
(٣) جمع شعفة وهي رأس الجبل. القاموس (شعف) ص ٨٢٤، وفي الذيل على الروضتين ص ١٩٣ (السيف).
(٤) دهماء: سوداء. القاموس (دهم) ص ١١٠٩.
(٥) السفعة: الضربة. القاموس ص ٩٤٠ (سفع).
(٦) ليلة التِّمِّ: أطول ليالي الشتاء. القاموس (تمم) ص ١٠٨٣.