للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واستمرت هذه النار تأكل الأحجار والجبال، وتسيل سيلاً ذريعاً في وادٍ يكون طول مقداره أربعة فراسخ، وعرضه أربعة أميال، وعمقه قامة ونصف، وهي تجري على وجه الأرض، والصخرُ يذوب حتى يبقى مثل الآنُك (١)، فإذا جمد صار أسود، وقبل الجمود لونه أحمر.

ولم يزل يجتمع من هذه الحجارة المذابة في آخر الوادي عند منتهى الحرة حتى قُطِعَتْ في وسط وادي الشظاة إلى جهة جبل وَعِيرَة (٢)، فسَدَّت الوادي المذكور بسد عظيم من الحجر المسبوك بالنار، ولا كَسَدِّ ذي القرنين، يعجز عن وصفه بيان الواصف، ويرجع القلم وله من شرحه في كلِّ قدمٍ قاصف (٣)، فانقطع وادي الشظاة بسببه، وصار السيل إذا سال ينحبس خلف السد المذكور، وهو واد عظيم، فيكثر، وتعظم المياهُ المجتمعةُ حتى تصير بحراً مدّ البصر طولاً وعرضاً، كأنه أرض مصرَ عند زيادة النيل، فانخرق هذا السد من تحته في سنة تسعين وستمائة لتكاثر الماء من خلفه، فجرى في الوادي المذكور سنتين كاملتين. أما السنة الأولى سيلاً يملأ ما بين جانبي الوادي. وأما السنة الثانية فدون ذلك.

ثم انْخَرَقَ مرة أخرى في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وكان ذلك بعد تواتر أمطار عظيمة في الحجاز، فكثر الماء وعلا من جانبي السد ومن دونه مما يلي جبل وعيرة وتلك النواحي، فجاء سيل طام لا يوصف، ومجراه على مشهد حمزة رضي الله عنه، وحفر وادياً آخرَ قِبلي الوادي، ومشهد حمزة رضي الله عنه، وقِبلي جبل عينين (٤)، وبقي مشهد حمزة رضي الله عنه وجبل عينين في


(١) الآنك: الرصاص: اللسان (أنك) ١٠/ ٣٩٤.
(٢) يأتي في الباب الخامس (قسم المواضع).
(٣) قاصف: متكسر. القاموس (قصف) ص ٨٤٥.
(٤) وهو جبل الرماة، القريب من جبل أُحد. يأتي ذكره في الباب الخامس.