للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من الأنبياء والمؤمنين والملائكة بِمنْزِلة الأئمة في الصلاة، يتقدمون الصفوف، فكم شخص يكون هاهنا مأموماً من أهل الصفوف، يكون غداً إماماً أمام الصفوف، ويكون إمامه الذي كان يصلي به في الدنيا مأموماً، فيالها من حسرة، وصفوفهم أيضاً كصفوف المصلين، قال تعالى: {وَالمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً} (١)، وقال عز وجل: {وَالمَلائِكَةُ صَفَّاً لايَتَكَلَّمُونَ إلا مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} (٢)، وأمرنا الحق تعالى أن نَصُفَّ في الصلاة كما تصف الملائكة يتراصون في الصف، وإن كانت الملائكة لايلزم من خلل صفها -لو اتفق- أن يدخلها خلل -أعني ملائكة السماء- دخول /١٩٩ الشياطين، لأن السماء ليست بمحل للشياطين، وإنما يتراصون لتناسب الأنوار حتى يتصل بعضها ببعض، فتنْزل متصلة الى صفوف المصلين، فتعمهم تلك الأنوار، فإن كان في صف المصلين خلل دخلت فيه الشياطين، أحرقتهم تلك الأنوار، فكذلك يكونون في الكثيب في الزور العام، يَصُفُّونَ كما يَصُفُّونَ في الصلاة، فمن وجد خللاً في صفه هنا، وكان قادراً على سده بنفسه، ولم يفعل، حُرِمَ هنالك في ذلك الموطن بَرَكَتَهُ، وإن لم يقدر على سده لِعَارِضٍ مما ذكرنا من ربوة أو حفرة أو غير ذلك من الموانع عمَّتْهُ البركة هنالك، لأنه غير مُقَصِّرٍ ولامفرطِ فيما طُلب منه، وكل مُصَلٍّ بين رجلين فإنه ينضم إلى أحدهما، ولاينضم إلا إلى الذي يلي جانب الإمام، ولايأثم بجذب الآخر إليه، فإن انجذب إليه كان، وإن لم ينجذب، كان الإثم على ذاك، ثم إن القربات إلى الله تعالى لاتعلم إلا من عند الله عز وجل، ليس للعقل فيها حكم بوجه من الوجوه، فاعلم ذلك إن شاء الله.

* * *


(١) سورة (الفجر) آية رقم: ٢٢.
(٢) سورة (النبأ) آية رقم: ٣٨.