ضياعه، فباعه العرصة بألف ألف. فقالت قريش: أيخدَع معاوية نفسه أم يَكيدنا؟ فدخل مروان على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين؟ مادون الله عزَّ وجلَّ يَدٌ تحجزك عن هواك، لَنَحْنُ أهوَن عليك فيما تريد من نقد (١) الحجارة، فعلامَ تخدع نفسك وتكيدها؟ هلاَّ جعلتَ ما أعطيتَ
عمراً صِلةً للحيِّ والميت؟.
فأقبل عليه معاوية، فقال: يا مروان؟ إنَّكَ عادَيْتَ سعيدَاً حيّاً وميتاً، وما يَبلغ من إثماني بضيعةٍ مَكِيدةَ قريش، ولو قضيتُ عن سعيد دَيْنه ما كان بأعظم صِلتي إياه، ولا معروفي عنده، ولقد علمتْ قريش أني أحفظ الميت في الحي/٣٦٤ وأَصِلُ الحي للميت، ولهو كان خيراً لكم أن أكون كذلك. فأخذ عمرو المال فأتى به المدينة، فقضى دَيْن أبيه، ثمَّ قال: يا غلام؟ أَدْخِلْ عليّ إخوان أبي. فدخلوا عليه، فبدأَ بهم فوصَلَهُم؛ ثمَّ قال: أدخِلْ عَليَّ إخواني. فوقع الشرُّ بين عمرو ومروان، وكان مروان خالَه، فقال مروان:
يُكايدُنا معاويةُ بنُ حربٍ … ولسنا جاهلينَ بما يَكِيدُ
أتاهُ ناعياً لأبيه عمروٌ … وعمروٌ من خديعتِه بعيدُ
فكايدنا بسرف المال منه … وقد علمَتْ قريشٌ ما يريدُ
ولو أعطى معاويةُ بنُ حربٍ … سعيداً ألفَ ألفٍ، أو يزيدُ
فما أخطى بذاكَ، ولا رآه … كثيراً في مروءتِه سعيدُ
كذلك قَدْرُه حيَّاً ومَيْتَاً … له منه الضَّنانةُ والمزيدُ
فَفِيمَ يكيدُنا ويقولُ إمَّا … هلكتُ، فأنتمُ حيٌّ شريدُ؟
فإمَّا تَهلِكَنَّ، فلا لِذَاكُمْ … كسوفُ الشَّمسِ، أو أرضٌ تميدُ
ولا قَمَرٌ يَخِرُّ ولا سماءٌ … ونحن لوارثِ الدُّنيا عَبيدُ
سَيُغنينا الذي أغناكَ عَنَّا … وعندَ الله خيرٌ لا يَبيدُ
(١) أصل النّقد: تمييز الدراهم، وإخراج الزيف منها. لسان العرب (نقد) ٣/ ٤٢٥.