للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

حكي أنه كان شابان يتعبدان بالشام يُسَمَّيان الصبيح والمليح (١) لحسن عبادتهما، جاعا أياما، فقال أحدهما: اخرج بنا إلى الصحراء لعلنا نرى رجلا نعلم بعض دينه لعل اللَّه ينفعنا به. فخرجا، قالا: فلما حضرنا إذا بشاب أسود على رأسه حزمة حطب، فقلنا له: يا هذا من ربك؟ فرمى الحزمة عن رأسه وجلس عليها فقال: لا تقولا: من ربك، ولكن قولا: أين محل الإيمان من قلبك؟

فنظر كل واحد منا إلى صاحبه، ثم قال لنا: اسألا، اسألا، فإن المريد لا تنقطع مسائله.

فلما رآنا لا نرد جوابا قال: اللهم إنك تعلم أن لك عبادا كل ما سألوك أعطيتهم، فحوَّل حزمتي هذه ذهبا، فإذا هي قضبان ذهب تلمع. ثم قال: اللهم إنك تعلم أن لك عبادا الخمول أحب إليهم من الشهرة فردها حطبا، فرجعت حطبا، ثم حملها على رأسه ومشى فلم نتجرأ أن نتبعه.

[فصل]

قال بعض الصالحين: اجتمع جماعة من الفقراء فذهبوا يزورون رجلا أسود كان ناطورا يقال له مقبل، فمضيت معهم، فدخلنا إلى مكان فيه باذنجان كثير، وفيه أَسْوَدُ قائم يصلي، فسلمنا وجلسنا إلى أن سلم، فأخرج كيسا في كسر يابسة وملح جريش (٢)، وقال كلوا، فأكلنا، وأخذ الجماعة يذكرون كرامات الأولياء وهو ساكت، فقال له بعض الجماعة: يا مقبل قد زرناك فما تحدثنا بشيء، فقال: أي شيء أنا وأي شيء عندي أخبركم به؟ أنا أعرف رجلا لو سأل اللَّه أن يجعل هذا الباذنجان ذهبا لفعل: قال: فواللَّه ما استتم كلامه حتى رأينا الباذنجان يتقد ذهبا، فقال بعضهم: يا مقبل هل لأحد سبيل أن يأخذ من هذا الباذنجان أصلا واحدا؟ فقال له خذ، فأخذ أصلا معلقة بعروقه وجميع ما فيه ذهب، فوقعت من الأصل باذنجانة صغيرة، وشيء من الورق. فأخذته وبقي معي إلى يومي هذا، ثم صلى مقبل ركعتين، وسأل اللَّه أن يعيده كما كان ففعل، وعاد موضع ذلك الأصل المقلوع أصل آخر باذنجان.


= اللَّه حب الخلوة معه وبدله بعد القرب بعدا وبعد الأنس وحشة. وصلى الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة. [الطبقات الكبرى للشعراني (١/ ٤٠)].
(١) ملَّح الشاعر: أتى بشيء مليح، واستملح الشيء عده أو وجده مليحا حسنا.
(٢) جرش الشيء: لم ينعم دقه، فهو مجروش وجريش.

<<  <  ج: ص:  >  >>