للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في خدرها، فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه" (١) أخرجاه. وفيه بيان أن أهله أكابر الكرام، ورأسهم فيه سيد الأنام عليه أزكى تحية وأفضل سلام، وأنه تتفاوت درجاته بالقوة والضعف. وحاصل هذه الأحاديث بيان سبب الحياء وثمرته وتنوعه ومرتبته وبيان أهله وتفاوت درجته، وكل منها مرغِّب وجاذب ومناد يمدحه وناطق. فائدة: حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.

وروينا عن أبي القاسم الجنيد (٢). . قال: الحياء رؤية الآلاء. أي النعم. ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء.

مجلس في حفظ السِّر

قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ (٣) فأمر تعالى بإيفائه، وهو شامل لكل عهد واستئمان على سرّ وتعاهده على حفظه وعدم إذاعته، وإنه ﴿كَانَ مَسْئُولًا﴾: إما مطلوبا من العباد وإما مسئولا عنه وكله لتأكيد الإيفاء به. ولنذكر أحاديث دالة على التحذير من إفشاء السرّ ونشره وبيان تفاوت درجات نشره، وبيان أهل حفظ السر وأنهم أُولوا الأدب والكمال من الرجال والنساء والصبيان وأنه ينبغي قبول عذرهم في الكتمان من غير تكلُّف الإفشاء، وبيان مجاريه المتأكدة وبيان وقت الحفظ والنشر وما ليس بعذر يُستباح. فروينا من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "إن من أشرِّ الناس عند اللَّه منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٣٥٦٢) كتاب المناقب، [٢٣] باب صفة النبي ، ورقم (٦١٠٢) كتاب الأدب [٧٢] باب من لم يواجه الناس بالعتاب، ورقم (٦١١٩) كتاب الأدب [١٧] باب الحياء، ومسلم في صحيحه [٦٧ - (٢٣٢٠)] كتاب الفضائل، [١٦] باب حيائه ، وأحمد في مسنده (٣/ ٧١، ٩١)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ١٩٢)، وابن أبي شيبة في مصنفه (٨/ ٣٣٦)، والهيثمي في مجمع الزوائد (٨/ ٢٦، ٩/ ١٧).
(٢) أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد، النهاوندي الأصل البغدادي القواريري الخزاز، وقيل: كان أبوه قواريريًا، يعني زجاجًا، وكان هو خزازًا، ولد ببغداد بعد العشرين والمائتين أو قبلها، وتفقه على أبي ثور، واختص بصحبة السري السقطي والحرمي وأبي حمزة البغدادي، وأتقن العلم، ثم أقبل على شبابه واشتغل بما خلق له، وحدث بشيء يسير، كان شيخ العارفين، وقوة السائرين وعلم الأولياء في زمانه، وتوفي سنة (٢٩٨). [تاريخ الإسلام للذهبي، وفيات (٢٩١ - ٣٠٠)].
(٣) سورة الإسراء (٣٤).
﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾ [الإسراء: ٣٤] أي الذي تعاهدون عليه الناس، والعقود التي تعاملونهم بها، فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ أي عنه. [تفسير ابن كثير (٣/ ٤٠)].

<<  <  ج: ص:  >  >>