للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما كان بعدها خرجنا منها فأخذت ثلاث تفاحات فلم يمنعوني، فخرجنا من موضع دخولنا وسرنا ساعة، فقالوا: أين تريد نوديك؟ قلت: إلى موضعي.

وسألتهم عن اسم المدينة، فقال واحد منهم هذه مدينة الأولياء، خلقها اللَّه نزهة لأوليائه في الدنيا، فمرَّة تظهر لهم باليمن، ومرة بالشام، ومرة بالكوفة، ولم يبلغ هذه المدينة من لم يبلغ الأربعين غيرك، فلما كان بعد ساعة انتهينا إلى موضع فقلت ما هذا الموضع؟ فقال: اليمن. وكنت آخذ من التفاح قطعة فما أحتاج إلى طعام أياما كثيرة، ولم يزل معي التفاح، آكل منه حتى قدمت مكة فأعطيت الكتاني (١) منه واحدة. فلقيني في اليوم الثاني فقال: لم فعلت هذا، ولم حدثت بما رأيت؟ قد أخذنا ما أعطيت الكتاني ورجعناه مكانه، فلقيت الكتاني فقال: كانت عندي في حُق فذهبت لآكل منها فلم أجدها.

[فصل]

عن بعضهم قال: سافرت شرقا وغربا في طمع أن أكتحل بالبدلاء، فوافيت ساحل البصرة عشيا فتيامنت (٢) الطريق، وقربت منه لأكون قريبا من الماء، فرأيت عشرة نفر قعودا على السجادات لم أر معهم الركاء (٣) والآلات التي تكون مع الصوفية، فقاموا واستقبلوني وعانقوني، ثم جلسوا مطرقين لا ينظر بعضهم إلى بعض إلى وقت الغروب. فقام واحد منهم ودخل البحر، ولم أعلم كيف كان حاله، غير أنه أتى بإحدى عشرة سمكة مشوية، ولم أر نارا ولا حطبا. فقام واحد منهم وطرح عند كل واحد سمكة، وتفرد هو بسمكة أعظمها، ثم تفرقوا، واشتغل كل واحد بحاله.

فلما دنا الصبح أذن وصلوا جماعة، وأخذوا سجادتهم ومشوا على الماء، فأراد خادمه الذي جاء بالسمك واختص بأعظمها أن يتبعهم فغاص في البحر، فالتفتوا إليه وقالوا يا فلان من خاننا فليس منا، فتحسر على فراقهم، فأخذت الركوة ومشيت وتركته في موضعه.


(١) الكتاني: هو أبو بكر بن محمد بن علي بن جحفر الكتاني، أصله من بغداد، وصحب الجنيد والنوري وأبا سعيد الخراز، وأقام بمكة وجاور بها إلى أن مات سنة (٣٢٢) وكان أحد الأئمة المشار إليهم في علم الطريق، وكان يقول: كن في الدنيا ببدنك وفي الآخرة بقلبك، ونظر مرة إلى رجل شيخ كبير يسأل الناس فقال، هذا رجل ضيع أمر اللَّه في صغره فضيعه اللَّه في كبره، وكان يقول الشهرة زمام الشيطان ومن أخذ بزمام الشيطان كان عنده، وكان المرتعش يقول: الكتاني سراج الحرم.
(٢) أي أخذ يمين الطريق في السير.
(٣) الركوة: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء ويطلق على الدلو الصغير.

<<  <  ج: ص:  >  >>