للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

وحكي أن بعض السلاطين امتحن بعض الشيوخ بطبائخ قدمها إليه، ولحم بعضها مذكى وبعضها ميتة، فشد الشيخ وسطه وقال للفقراء: أنا اليوم خادمكم في هذا الطعام، وأخذ يلتقط المذكى ويقدمه إلى الفقراء ويعزل الأواني التي فيها غير المذكى إلى الجند، ويقول: الطيب للطيبين، والخبيث للخبيثين، والسلطان حاضر يراه، فاستغفر اللَّه تعالى وحسن اعتقاده (١). وأنشد الشيخ الحسيب النسيب عبد القادر الكيلاني شيخ المشرق لنفسه:

ما في الصبابة (٢) منهل (٣) مستعذب … إلا ولي في الألذ الأطيب

أو في الزمان مكانة مخصوصة … إلا ومنزلتي أعز وأقرب

ومبتهل الأيام رونق (٤) صفوها … فصفا من أمهلها وطاب المشرب

وأنا من رجال لا يخاف جليسهم … ريب الزمان ولا يرى ما يرهب

قوم لهم في كل مجد رتبة … علوية وبكل جيش موكب

أنا بلبل الأفراح أملي دوحها (٥) … طربا وفي العلياء باز (٦) أشهب (٧)

[فصل]

قال إبراهيم الخراساني: احتجت يوما إلى الوضوء، فإذا بكوز من جوهر وسواك من فضة ألين من الخز، فأسكبت وتوضأت، وتركتها وانصرفت.


(١) قال الشوكاني: من كان من الأولياء المعدودين كان من المؤمنين باللَّه وملائكته وكتبه ورسله والقدر: خيره وشره، مقيما لما أوجب اللَّه عليه، تاركا لما نهى اللَّه عنه مستكثرا من طاعاته، فهو من أولياء اللَّه سبحانه، وما ظهر عليه من الكرامات التي لم تخالف الشرع فهي موهبة من اللَّه ﷿، لا يحل لمسلم أن ينكرها، ومن كان بعكس هذه الصفات فليس من أولياء اللَّه سبحانه وليست ولياته رحمانبة، بل شيطانية، وكراماته من تلبيس الشيطان عليه وعلى الناس. [انظر قطر الولى على حديث الولي ص ٦٥ من تحقيقنا، طبعة دار الكتب العلمية].
(٢) الصبابة: الشوق، أو رقته وحرارته، والصب: العاشق.
(٣) نهل نهلا: شرب حتى روي فهو ناهل، والمنهل: المورد، أي الموضع الذي في المشرب، جمعها: مناهل.
(٤) راق روقا: صفا، و"روَّقَ الشراب"، صفَّاه.
(٥) الدوحة: الشجرة العظيمة المتشعبة ذات الفروع الممتدة من شجرها، وداحت الشجرة دوحا عظمت، فهي دائحة.
(٦) الباز: ضرب من الصقور يستخدم في الصيد، وجمعها: بيزان.
(٧) شهب شهبا: خالط بياض شعره سواد وحال لونه وتلوح، فهو أشهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>