للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحاول، فإنما هو حال أهل الغضب والضلال، ولما علموا أن لا ملجأ من اللَّه إلا إليه أرشدهم لما أرشدهم إليه، فأعظم به رسولًا وهاديًا، فأزال اللَّه -تعالى- انقباضهم ببسط موجه لهم حيث قال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] الآية، وسارع في رضاهم، فأزال ما شق عليهم بقوله: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] (١) فأبهجهم بإجابة أدعيتهم ناجزًا معقبًا كل واحد بنعم، فليبشر المنقاد لحكم اللَّه، لما يرغب عاجلًا أو آجلًا.

جزى اللَّه يوم الروع خيرًا فإنه … أرانا على علاته أم سالم

فصل في إجراء الناس على الظاهر وسرائرهم إلى اللَّه تعالى

قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ (٢).

يأمر بتخلية المعقود له على مرصد، إذا فعل ذلك.

وروينا في الصحيحين من حديث ابن عمر مرفوعًا: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه


= وأنكره بعض المتأخرين، قال: لأنه خبر ولا يدخل النسخ الأخبار، وليس كما قال هذا المتأخر، فإنه وإن كان خبرًا فهو خبر عن تكليف ومؤاخذة بما تكن النفوس والتعبد بما أمرهم النبي في الحديث بذلك، وأن يقولوا سمعنا وأطعنا، وهذه أقوال وأعمال اللسان والقلب، ثم نسخ ذلك عنهم برفع الحرج والمؤاخذة. "النووي في شرح مسلم [٢/ ١٢٧] طبعة دار الكتب العلمية".
(١) أي لا يكلف أحدًا فوق طاقته، وهذا من لطفه -تعالى- بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم، وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] أي هو وإن حاسب وسأل، لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها فهذا لا يكلف به الإنسان، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان. "تفسير ابن كثير [١/ ٣٤٢] ".
(٢) سورة التوبة [٥].
قال: توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربهم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ثم قال في آية أخرى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١١]، وروى البخاري في صحيحه عن أنس أن رسول اللَّه قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، فإن شهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها؛ لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>