للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البقرة: ٢٨٦] قال: "نعم" ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قال: "نعم" ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] الآية، قال: "نعم" (١). ومدار الحديث على تعظيم أمر اللَّه بنحو ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٥] شق أو لم يشق، من وسط القلب، والرفق بالنفس بسؤال التخفيف بنحو ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ [البقرة: ٢٨٥] (٢)، وأن تقرن عندها ما يهون عليه التحمل، لو لم يخفف عنها شيء بنحو ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِير﴾ [البقرة: ٢٨٥].

فالآية الشريفة اشتدت على المؤمنين، فلولا يقينهم وإيمانهم باللَّه واليوم الآخر، لما ألقوا لذلك بالًا. ولولا مراقبتهم لأنفسهم وعلمهم حالها، وبضعفهم عن مثلها، لما ثبتوا لمشقتها عليهم، ولَمَّا شقت الآية عليهم أتوا رسول اللَّه فتلا عليهم ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: ٦] (٣)، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ (٤) لما سمعوا تيسير ذلك، ولولا حسن ظنهم باللَّه ورسوله لكتموا ما بهم عنها وبركوا على الركب استرحاما للَّه، وذكروا قصتهم، فلولا إخلاص قلوبهم لتظاهروا بغير ما فيها، ولولا مناصحتهم للَّه ولرسوله لَشَكَوْا همَّهم لغيرهما، ولولا إجلالهم للرب لانطلقت ألسنتهم بأكثر من مجرد القصد، واستضعاف أهل الطريق منزلة الخوف والرجاء له موضع يخاض فيه، وكان الشارع أعلم بالمؤمنين لسعة ذلك عليهم، ولكن مهمته ببادئ الحال، ولمَّا تعلقوا أغاثهم بترك التوقف لهم، وذكر أنهم معذورون، أو أنه يسأل اللَّه لهم أو نحو ذلك (٥)، وصرفه لهم عن كل وجهة مبينًا أن جميع ما


(١) أخرجه مسلم في صحيحه [١٩٩ - (١٢٥)] كتاب الإيمان، [٥٧] باب بيان أنه لم يكلف إلا ما يطاق، وأحمد في مسنده [٢/ ٤١٢]، وأبو عوانة في مسنده [١/ ٧٧]، والسيوطي في الدر المنثور [١/ ٣٧٤].
(٢) ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ [البقرة: ٢٨٥] سؤال للمغفرة والرحمة واللطف، ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] أي المرجع والمآب يوم الحساب، قال ابن جرير بسنده عن جابر: لما نزلت على رسول اللَّه ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] الآية، قال جبريل: إن اللَّه أحسن الثناء عليك وعلى أمتك، فسل تعطه، فسأل ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] "تفسير ابن كثير [١/ ٣٤٢] ".
(٣) قال البخاري في تفسير سورة ألم نشرح في صحيحه في كتاب التفسير: قال مجاهد: "وزرك" في الجاهلية "أنقض": أثقل، "مع العسر يسرًا": قال ابن عيينة: أي مع ذلك العسر يسرًا آخر، كقوله ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ ولن يغلب عسر يسرين، وقال مجاهد: "فانصب" في حاجتك إلى ربك، ويذكر عن ابن عباس ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)﴾ [الشرح: ١] شرح اللَّه صدره للإسلام.
(٤) سورة الطلاق [٢].
(٥) اختلف الناس في هذه الآية فأكثر المفسرين من الصحابة ومَنْ بعدهم على ما تقدم فيها من النسخ =

<<  <  ج: ص:  >  >>