للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

وحكي أن بعض سلاطين الكفار استولى على بعض بلاد المسلمين، فسفك دماءهم ونهب أموالهم، وأراد أن يقتل فقراء بعض المشايخ، فاجتمع به الشيخ ونهاه عن ذلك، فقال له السلطان: إن كنتم على الحق فأظهر لي آية، فأشار الشيخ إلى بعض الجبال هناك فإذا هي جواهر تضيء، فأشار إلى كيزان (١) في الأرض فارغة من الماء، فتعلقت في الهواء، فامتلأت ماء وأفواهها مكبة على الأرض ولا يقطر منها قطرة، فدهش السلطان من ذلك.

فقال له بعض جلسائه: لا يكثر هذا في عينك فإنما هو سحر. فقال له السلطان أرني غير هذا، فأهوى الشيخ بالنار فأوقدت وأمر الفقراء بعمل السماع، فلما عمل فيهم الوجد دخل الشيخ بهم إلى النار (٢) وكانت عظيمة، ثم خطف الشيخ ولد السلطان فدار به في النار، ثم غاب به فلم يعلم أين ذهبا، والسلطان حاضر، ذهب عقله على ولده.

فلما كانا بعد ساعة ظهرا، وفي إحدى كفي ولد السلطان تفاحة وفي الأخرى رمانة، فقال له السلطان: أين كنت يا ولدي؟ قال: في بستان فأخذت منه هاتين الحبتين وخرجت، فتحير السلطان من ذلك.

فقال له جلساء السوء، هذا أيضا عمله بصنعة باطلة، فقال له السلطان عند ذلك: كل ما تظهره لا أصدق به حتى تشرب من هذا الكأس، وأخرج له كأسا مملوءة سمًا (٣) تقتل القطرة الواحدة منه في الحال.

فأمر الشيخ الفقراء بالسماع حتى ورد عليه. قال: فأخذ الكأس حينئذ وشرب جميع ما فيها فمزقت ثيابه التي عليه، فألقوا عليه ثيابا أخرى فتمزقت كذلك ثم أخرى ثم أخرى كذلك مرارا عديدة، ثم ترشم عرقا، ثم ثبتت عليه الثياب بعد ذلك ولم تتقطع، فاعتقده السلطان وعظمه وجله واحترمه ورجع عن ذلك القتل والإفساد، ولعله أسلم.


(١) الكوز: إناء بعروة يشرب به الماء، جمعها: كيزان.
(٢) حدث ذلك لأبي مسلم الخولاني، وكان من التابعين، وقد ألقي في النار فوُجِد قائما يصلي، ولما قدم المدينة جعله عمر بينه وبين أبي بكر، قال الحمد للَّه الذي لم يكلتني حتى أراني من أمة محمد من فعل به كما فعل بإبراهيم. [انظر قطر الولى على حديث الولي ص ٦١ من تحقيقنا، طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) انظر ما تقدم مع خالد بن الوليد وشربه السم، وقد تقدم من قبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>