للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجلس في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (٤٧) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (٤٨)(١)

أي شاهدا على ما بعثه إليهم وعلى تكذيبهم وتصديقهم، أي مقبولا قولك عند اللَّه لهم وعليهم، ولا يقبل قول الشاهد العدل في الحكم، وإنما وصفه بكونه شاهدا وقت الإرسال، ومحلها عند التحمل والأداء؛ لأنه مُعَدٌّ لذلك، وقال: "بإذنه" وهو مفهوم من الإرسال، داعيا لأجل التعديل والتيسير، ولم يرد حقيقة الإذن، فالأمر صعب لا يستطاع إلا بتسهيل الجليل، وأرسله سراجا ليجلي الظلمات، ويهتدي به أهل العنايات كما في السراج، فأيد اللَّه بنور نبوته نور البصائر، كما يمد بنور السراج نور الأبصار.

ووصفه بالإنارة لأن من السرج ما تضيء إلا إذا قل (سليطة) (*) ودق فتيله، وفي كلام بعضهم: ثلاثة تضني: رسول بطيء، وسراج لا يضيء، ومائدة لا ينتظر لها من مجيء.

وسئل بعضهم عن الموحشين فقال: ظلام ساتر وسراج (فات) (*).

هذا أفضل ما يتفضل به عليهم زيادة على الثواب، وإذا ذكر المفضل به وكبره فما ظنك بالثواب، ويحتمل أن يراد به الثواب أو أن يريد أن لهم فضلا كثيرا على سائر الأمم، وذلك الفضل من جهة اللَّه، وأنه آتاهم ما فضلوهم به.


(١) سورة الأحزاب (٤٥ - ٤٨).
وروى أحمد في مسنده عن صفة رسول اللَّه في التوراة عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رفعه: "واللَّه إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥)﴾ [الأحزاب: ٤٥]، وحرزا للأميين، فأنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه اللَّه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا اللَّه، فيفتح بها أعينًا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا".
(*) كذا بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>