للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبينما نحن عابرون على هذه الدار نقصد الصلاة وراءه في هذا اليوم الشريف اعترضتنا هذه الصبية. فأفرغت علينا بنجاسة، فسلم أصحابي وتنجست أنا، وحرمتني الصلاة خلف الشيخ الولي، ففعلت بها ما رأيت غضبا عليها.

فقلت له: بحرمة هذا الشيخ الذي جئتم من أجل الصلاة وراءه إلا ما خرجت عنها، قال لي: سمعا وطاعة، فخرج حالا، وعوفيت من ساعتها، فأرخت قناعها على وجهها استحياء مني.

ففرحت والدتها وقالت: جُوزيت عنا خيرا، وسترك اللَّه كما سترتها، ثم خرجت من ساعتي وعقدت النية لزيارة الشيخ المذكور (١)، فلما رآني مقبلا إليه تبسم ضاحكا وقال لي: أهلا وسهلا بالشيخ أبي بكر الذي واللَّه ما خَبِرَنا حتى أخبره الجان عنا، فوقعت عند كلامه هذا مغشيا عليَّ، وأقمت في السماع مدة، ولزمت صحبة الشيخ في زاوية من رباطه بعد أن تبت إلى اللَّه أن لا أعود أنكر كرامات الصالحين.

[فصل]

عن الشيخ أبي عبد اللَّه الإسكندري قال: كنت بجبل لكام، أسير فيه، وأختار رؤية الرجال والنساء من القوم، فجمع اللَّه لي مرادي، فأول ما لقيت امرأة، وقد سمعتني أنشد هذه الأبيات:

يا حيرة الحي من شرقي ذي سلم … هل عودة الليالي (البان) (٢) والعلم

أيام شملي بكم يا سلم مجتمع … وحبل ودي لديكم غير منصرم (٣)

ناشدتك اللَّه إن جزت العقيق صحبا … فاقرأ السلام عليهم غير محتشم

وقل تركت صريعا في دياركم … ميتا كحي بغير السقم ذا سقم

فلما رأيتها قلت في نفسي: لو كان اجتماعي برجل كان أحب إلي من امرأة. قالت: من يصل إلى مقامات النساء (٤)؟ فقلت لها: ما أكثر دعواك. قالت: تحرم


(١) الصوفي الحق هو الذي يتفق مع الفقهاء وأصحاب الحديث، ويرجع إليهم إذا استشكل عليه حكم أو وحد وإذا اختلف معهم فاستحبابه في مذهب التصوف الأخذ بالأحسن والأولى والأتم، ولا ينزل إلى الرخص، ويطلب التأويلات والسعات، ومن المتصوفة مع ذلك مبطلون يعتبرون أنفسهم صوفية وليسوا منهم في شيء. [المعجم الصوفي ص ١٥٣، ١٥٤].
(٢) كذا بالأصل.
(٣) صرم الشيء صرما: قطعه، وانصرم: انقطع، وانصرم الليل: إذا ذهب، وانصرم الشتاء: انقضى.
(٤) من النساء الكثير من الصالحات والعابدات يأتي على رأسهن أمهات المؤمنين، وكذلك =

<<  <  ج: ص:  >  >>