للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين كفنه وبدنه ودفنته معه.

فأخرج مالك الكتاب، فقال الغاسل: هذا الكتاب بعينه، والذي قبضه لقد جعلته بين كفنه وبدنه. قال فكثر البكاء، فقام شاب فقال: يا مالك خذ مني مائتي ألف درهم واضمن لي مثل هذا، فقال: هيهات، كان ما كان وفات ما فات، واللَّه يحكم ما يريد.

قال: فكان مالك كلما ذكر الشاب بكى ودعا له.

[فصل]

عن زيتونة خادمة الشيخ أبي الحسن النوري (١) وخادمة الجنيد وأبي حمزة قالت: كان يوم بارد فقلت للنوري: أعمل إليك شيئا؟ قال: نعم. فقلت: إيش تريد؟ فقال: خبز ولبن، فحملته إليه، وكان بين يديه فحم يقلبها بيديه، وقد اشتعلت -يعني النار- فأخذ يأكل الخبز واللبن يسيل على يديه وعليها سواد الفحم، فقلت في نفسي ما أقذر أولياءك يا رب! ما فيهم أحد نظيف، قالت: فخرجت من عنده فتعلقت بي امرأة وقالت: سُرِقَت لي رزمة ثياب وجروني إلى الشرطي، فأخبر النوري بذلك، فخرج وقال للشرطي: لا تتعرض لها، فإنها ولية من أولياء اللَّه تعالى، فقال الشرطي: كيف أصنع والمرأة تدعي أنها التي أخذت الرزمة؟ قالت: فجازت جارية ومعها الرزمة المطلوبة، فاسترد النوري المرأة، فقال لها أتقولين بعد ذلك: ما أقذر أولياءك يا رب؟ قالت: فقلت: تبت إلى اللَّه تعالى.

[فصل]

قال بعضهم: دخل الشيخ أبو الحسن النوري (٢) المذكور مرة إلى الماء


(١) كان من جملة المشايخ وعلماء القوم، لم يكن في وقته أحسن طريقة منه، ولا ألطف كلاما منه، صحب السري السقطي ومحمد بن القصاب، وكان من أقران الجنيد، وكان يقول: أعز الأشياء في زماننا هذا شيئان: عالم يعمل بعلمه، وعارف ينطق عن حقيقة، وكان يقول: الجمع بالحق تفرقة من غيره، والتفرقة من غيره جمع به، وكان يقول ليس التصوف رسوما ولا علوما، وإنما هو أخلاق. توفي سنة (٢٩٥).
(٢) لما وقع بينه وبين المعتضد ما وقع خرج إلى البصرة فأقام بها إلى أن توفي المعتضد باللَّه خوفا أن يسأل الشفاعة إليه في حاجة، فلما مات المعتضد عاد النوري إلى بغداد، وأصل القصة أنه مر عليه أدنان من خمر فكسرها، فحملوه إلى المعتضد، فقال له المعتضد: من أنت؟ وكان يسفه قبل كلامه، فقال: محتسب، فقال: من ولاك الحسبة؟ قال: الذي ولاك الخلافة، وأغلظ عليه القول ثم خرج من بلاده.

<<  <  ج: ص:  >  >>