للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت: أوصني. قال: احم نفسك من الذنوب فإنها ضعيفة، وارفق بها رفقا فإنها تجعل أبناءها ببحرها غرقى، وساحلهم شرقا وأذنابهم حرقا، ومع هذا متعك اللَّه قبولا ووصولا وصدقا، وجعلك من قوم رضي عنهم، فقال عز من قائل: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ (١)، ولا حرمك لذة النظر ولا جعلك من يقنع بعد العيان بالخبرة. ففهمت ما أشار إليه، وحمدًا للَّه.

[فصل]

حكي عن أبي العباس الخضر (٢) أنه سأله بعض الأبدال: هل رأيت وليا للَّه أرفع منك درجة؟ قال: نعم؛ دخلت مسجد رسول اللَّه بالمدينة فرأيت عبد الرزاق حوله جماعة يسمعون الحديث في المسجد، وفتى جالس واضع رأسه على ركبتيه، فقلت: يا أيها الشاب، أما ترى الجماعة يسمعون أحاديث الرسول من عبد الرزاق (٣) فهلا سمعت معهم؟ فلم يرفع رأسه إليَّ ولا اكترث بي، ولكن قال: هناك من يسمع من عبد الرزاق، وهنا من يسمع من الرزاق، لا من عبده.

قال الخضر: فقلت له: إن كان ما تقول حقا فمن أنا؟ فرفع رأسه إليَّ وقال: إن كانت الفراسة حقا فأنت الخضر. فعلمت أن للَّه أولياء لا أعرفهم لعلو رتبتهم.

[فصل]

قال عبد اللَّه بن خفيف (٤) كنت مدة عديدة أسيح على وجه الأرض للالتقاء


= بعدك، فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي" وقال ابن عباس: سحقا: بعدا، يقال: سحيق: بعيد، سحفه وأسحقه: أبعده.
(١) سورة الأنفال (٤٠).
(٢) اختلفوا في لقبه الخضر: فقال الأكثرون: لأنه جلس على فروة بيضاء فصارت خضراء، والفروة وجه الأرض، وقيل: لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله، والصواب الأول؛ فقد صح في البخاري عن ابي هريرة عن النبي : "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة فإذا هي تهتز من خلفه خضراء". وقال الثعلبي: الخضر نبي معمر على جميع الأقوال محجوب عن الأبصار، يعني عن أبصار أكثر الناس، قال: وقيل: إنه لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن. [النووي في شرح مسلم (١٥/ ١١١) طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) عبد الرزاق بن همام بن نافع، أبو بكر الحميدي مولاهم، الصنعاني، الإمام اليماني، ثقة حافظ مصنف شهير، عمي في آخر عمره، فتغير وكان يتشيع. أخرج له: أصحاب الكتب الستة. توفي سنة (٢١١) وله ٨٥ سنة. ترجمته: تهذيب التهذيب (٦/ ٣١٠)، تقريب التهذيب (١/ ٥٠٥)، التاريخ الكبير للبخاري (٦/ ١٣٠)، التاريخ الصغير للبخاري (٢/ ٣٢٠)، الجرح والتعديل (٢/ ٦٠٩)، سير أعلام النبلاء (٩/ ٥٦٣)، الثقات (٨/ ٤١٢)، البداية والنهاية (١٠/ ٢٦٥)، لسان الميزان (٧/ ٢٨٧)، ميزان الاعتدال (٢/ ٦٠٩).
(٤) كان يقول: رأيت رسول اللَّه في المنام وهو يقول: "من عرف طريقا إلى اللَّه =

<<  <  ج: ص:  >  >>