للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

حكي عن بعض الشيوخ الأكابر أنه دخل على بعض التجار بثغر الإسكندرية، فرحب به التاجر وفرح به، فرأى الشيخ في إيوان بيت التاجر بساطين مثمنين مستعملين من بلاد الروم على قدر ذلك الإيوان، فطلبهما الشيخ من التاجر، فصعب عليه ذلك وقال له: يا سيدي أعطيك ثمنهما، فامتنع الشيخ، فقال له: ما أطلب إلا البساطين بعينهما، فقال التاجر: إذ كان ولا بد من الأخذ فخذ أحدهما.

فأخذ الشيخ أحد البساطين وخرج به، وكان حينئذٍ للتاجر ابنان مسافران في بلاد الهند، كل واحد منهما في مركب، فبعد مدة سمع أبوهما أن أحدهما غرق هو ومركبه وجميع ما كان فيه، ووصل الابن الآخر إلى عدن سالما.

فلما كان بعد مدة وصل إلى قريب الإسكندرية، فخرج أبوه إلى لقائه ظاهر البلد، فرأى البساط الذي كان الشيخ أخذه منه بعينه محملا على بعض الجمال، فسأل ابنه عن قصة البساط ومن أين هو، فقال: يا أبت لهذا البساط قصة عجيبة وآية عظيمة، فقال له أبوه: أخبرني يا بني بذلك.

فقال: سافرت أنا وأخي برج طيبة من بلاد الهند كل منا في مركب، فلما توسطنا البحر عصفت علينا الريح واشتد علينا الأمر، وانفتح المركبان، واشتغل أهل كل مركب بمركبهم، وسلم كل منا أمره إلى اللَّه، وإذا بشيخ قد ظهر لنا وفي يده هذا البساط فسد به مركبنا، وسرنا بالسلامة أياما والمركب مسدود بهذا البساط إلى أن وصلنا إلى بعض المراسي، فقمنا إلى ما كان في المركب وأصلحناه وسافرنا فيه.

وأما مركب أخي فغرق جميع من كان فيه ولم يسلم منه أحد، قال التاجر: فقلت له: يا بني أتعرف الشيخ إذا رأيته؟ فقال: نعم. فذهب به إلى الشيخ، فلما رآه صرخ وصاح صيحا عظيمًا وقال: هو ذا واللَّه يا أبت، فجعل الشيخ يده عليه حتى أفاق وسكن ما به، فقال التاجر: يا سيدي لم لا عرفتني بحقيقة الأمر حتى أدفع لك البساطين كليهما؟ فقال الشيخ: هكذا أراد اللَّه تعالى.

[فصل]

عن جعفر بن سليمان قال: مررت أنا ومالك بن دينار (١) بالبصرة فبينما نحن


(١) كان مالك بن دينار يقول: من علامات حب الدنيا أن يكون دائم البطنة، قليل الفطنة، همته بطنه وفرجه، يقول متى أصبح فألهو أو ألعب وآكل وأشرب، متى أمسي فأنام، جيفة بالليل، بطال بالنهار. وكان إذا سأله سائل والسحابة مارة يقول: اصبر حتى تمر هذه السحابة، فإني أخشى أن =

<<  <  ج: ص:  >  >>