للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

عن بعض الصالحين قال: كنت جالسا في بيت المقدس عند بئر سليمان -عليه الصلاة السلام- يوم الجمعة بعد العصر، فإذا برجلين يشبه أحدهما خلقنا، والآخر عظيم الخلق طويل، كأن عرض جبهته أكثر من ذراع. فجلس الذي يشبهنا عندي وسلم عليَّ، وجلس الآخر بعيدًا منا، فقلت: من أنت يرحمك اللَّه؟ قال: أنا الخضر (١).

قلت: ومن ذلك الرجل؟ قال: أخي إلياس. فداخلني ما يداخل مثلي.

فقال لي: لا بأس عليك، نحن نحبك، ثم قال لي: من صلى العصر يوم الجمعة ثم استقبل القبلة فقال: يا اللَّه يا رحمن، ثم سأل اللَّه شيئا إلا أعطاه. فقلت له: آنستني آنسك اللَّه بذكره كل وليّ (٢) في الأرض تعرفه.

قال: المعدودين، قلت: وما معنى المعدودين؟ قال: إنه لما قبض النبي شكت الأرض إلى ربها (٣) فقالت: بقيت لا يمشي عليَّ نبي إلى يوم القيامة، فأوحى اللَّه تعالى إليها: إني سأجعل من هذه الأمة رجالا مثل الأنبياء، قلوبهم على قلوب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

قال: فقلت له كم هم؟ قال: ثلاثمائة، وهم الأولياء، وسبعون وهم النجباء، وأربعون وهم أوتاد الأرض، وعشرة، وهم النقباء، وسبعة، وهم العرفاء، وثلاثة وهم المختارون، وواحد وهو الغوث، فإذا مات الغوث (٤) اختير من الثلاثة، فاختير


(١) جمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه، ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن يحصر وأشهر من أن يستر.
(٢) قال الحبري المفسر وأبو عمرو بن الصلاح عن الخضر: هو نبي، واختلفوا في كونه مرسلا، وقال القشيري وكثير: هو ولي، وحكى الماوردي في تفسيره ثلاثة أقوال: أحدها: نبي، والثاني: ولي، والثالث: أنه من الملائكة، وهذا غريب باطل، قال المازري: اختلف العلماء في الخضر هل هو نبي أو ولي، واحتج من قال بنبوته بقوله: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكهف: ٨٢]، فدل على أنه نبي أوحي إليه وبأنه أعلم من موسى، ويبعد أن يكون ولي أعلم من نبي. [النووي في شرح مسلم (١٥/ ١١١) طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) ذكر الثعلبي ثلاثة أقوال في أن الخضر كان من زمن إبراهيم الخليل أم بعده بقليل أم بكثير. كنية الخضر أبو العباس، واسمه بليان بن ملكان، وقيل كليان، وقال ابن قتيبة في المعارف: قال وهب بن منبه اسم الخضر بليان بن منكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشيد بن سام بن نوح. [المرجع السابق: (١٥/ ١١١)].
(٤) الغوث: الإعانة والنصرة، ويقال في الشدة تنزل بالمرء فيسأل العون على كشفها: واغوثاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>