للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣)(١) فلا مقت أكبر منه.

وقال تعالى إخبارًا عن شعيب : ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ [هود: ٨٨].

فالمخالفة إلى النهي لوم وسقوط مروءة، فالمخالف مخالف للعقل والشرع ولؤم الطبع.

وروينا في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد مرفوعًا: "يؤتى بالرجل فيلقى في النار، فيندلق أقتاب بطنه (٢) فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؛ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فيقول: بلى؛ قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه" (٣).

ويندلق بالدال المهملة معناه يخرج، والأقتاب الأمعاء، واحدها قتب، وشبهه بالحمار من حيث أنه حمل أسفار العلم ولم يعمل لها، واندلاق أقتابه إما لأن المخالفة كانت للشهوات، وإما لأن جنايته الحسية والمعنوية كانت مكتوبة، وظهر حسنها لما ظهر معناها، فافتضح حسًّا ومعنى.

[فصل في الأمر بأداء الأمانة]

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] (٤).


(١) سورة الصف [٢، ٣].
إنكار على من يعد وعدًا أو يقول قولًا لا يفي به، ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقًا سواء ترتب عليه عزم للموعود أم لا، واحتجوا أيضًا من السنة بما ثبت في الصحيحين أن رسول اللَّه قال: "آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان". "تفسير ابن كثير [٤/ ٣٥٧] ".
(٢) قوله : "فتندلق أقتاب بطنه" هو بالدال المهملة، قال أبو عبيد: الأقتاب الأمعاء، قال الأصمعي: واحدها قتبة، وقال غيره: قتب، وقال ابن عيينة: هي ما استدار في البطن وهي الحوايا والأمعاء وهي الأقصاب، واحدها قصب، والاندلاق خروج الشيء من مكانه. "النووي في شرح مسلم [١٨/ ٩٢] طبعة دار الكتب العلمية".
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه [٥١ - (٢٩٨٩)] كتاب الزهد والرقائق، [٧] باب عوقبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله.
(٤) سورة النساء [٥٨].
يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول اللَّه قال: "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" رواه أحمد وأهل السنن وهو يعم الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق اللَّه ﷿ على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض =

<<  <  ج: ص:  >  >>