للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مجلس في استحباب العزلة عند فساد الزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها]

قال تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)(١) أي: فِرُّوا من المعاصي إلى محبته ومراضيه، أو مما سواه إليه، أو مما لم يكن إلى من لم يزل.

وروينا من حديث سعد بن أبي وقَّاص مرفوعًا: "إن اللَّه يحب العبد التقي الغني الخفي" (٢) أخرجه مسلم.

والمراد بالغنى غنى النفس (٣) كما سبق في الحديث الصحيح.

وفيه من خواص العزلة والاختفاء وعموم الذكر محبة اللَّه لمن اتصف بذلك، وناهيك بذلك.

وروينا من حديث أبي سعيد الخدري قال: "قال رجل: أي الناس أفضل يا رسول اللَّه؟ قال: "رجل يُجاهد بنفسه وماله في سبيل اللَّه". قال: ثم من؟ قال: "رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه". وفي رواية: "يتقي اللَّه ويدع الناس من شره"" (٤) أخرجاه.

وفيه: أن المعتزل في شعب أفضل الناس. وفيه ثلاث فوائد للعزلة: عبادة الرب


(١) سورة الذاريات (٥٠).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه [١١ - (٢٩٦٥)، كتاب الزهد والرقائق في مقدمته، وأحمد في مسنده (١/ ١٦٨، ١٧٧)، والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٤٣٩)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (١/ ٢٥، ٩٤)، والزبيدي في الإتحاف (٨/ ٣١، ٣٠٨)، والعجلوني في كشف الخفا (١/ ٢٨٧).
(٣) المراد بالغنى غنى النفس هذا هو الغنى المحبوب لقوله : "ولكن الغنى غنى النفس" وأشار القاضي إلى أن المراد بالغنى بالمال، وأما الخفي فبالخاء المعجمة، هذا هو الموجود في النسخ، والمعروف في الروايات، وذكر القاضي أن بعض رواة مسلم رواه بالمهملة، فمعناه بالمعجمة الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه، ومعناه بالمهملة الوصول للرحم اللطيف بهم وبغيرهم من الضعفاء، والصحيح بالمعجمة. [النووي في شرح مسلم (١٨/ ٧٩) طبعة دار الكتب العلمية].
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه (٦٤٩٤) كتاب الرقاق، [٣٤] باب العزلة راحة من خلاط السوء، ومسلم في صحيحه [١٢٢ - (١٨٨٨)] كتاب الإمارة [٣٤] باب فضل الجهاد والرباط، وأبو داود في سننه (٢٤٨٥)، والترمذي (١٦٦٠)، والنسائي (٥/ ٨٣ المجتبى)، وابن ماجه (٣٩٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>