للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى، ولا شك أن الفراغ من كل شاغل عن الخير مُيَسِّر للخير وأن التفرد عن الخلق أبعد عن الرياء وأعون على الإخلاص. والفائدة الثانية: تقوى اللَّه، ولا شك أن كثيرًا من المعاصي تتعذر في العزلة فكانت مَطِيَّة التقى. وثالثها: ويدع الناس من شره، وإنها لفائدة جليلة وصدقة جزيلة. وفيه أحد مواطن العزلة وهو شعب من الشعاب، ولزوم البيت قريب منه.

وروينا عنه مرفوعًا: "يُوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن" (١) أخرجه البخاري. وشعف الجبال أعلاها. وفيه فائدة أخرى للعزلة وهو الفرار بدينه من الفتن، وكان الغنم خير المال لإعانتها على أشرف الخلال، وقد اعتزل أبو ذر السَّادات ونزل الربذة، فما ظنك بزماننا الخلف وكثرة الأراذل والسفلة.

وروينا من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "ما بعث اللَّه نبيا إلَّا رعى الغنم". فقال أصحابه: وأنت؟ قال: "نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة" (٢) أخرجه البخاري. قلت: فليُقتُدَ بهم. وكان أويس يرعى إبل قومه نحليًا وتكسُّبًا.

وروينا من حديثه أيضًا مرفوعًا: "من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل اللَّه يطير على متنه، كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل أو الموت مظانَّهُ (٣)، أو رجل في غُنيمة في رأس شَعَفة من هذه الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلَّا


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٦٤٩٥) كتاب الرقاق، [٣٤] باب العزلة راحة من خلاط السوء، وأبو داود (٤٢٦٧)، والنسائي (٨/ ١٢٤ - المجتبى)، وابن ماجه (٣٩٨٠)، وأحمد في مسنده (٣/ ٦، ٣٠) والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٤٣٩)، والزبيدي في الإتحاف (٦/ ٣٥٤).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٢٢٦٢) كتاب الإجارة، في الإجارات، [٢] باب رعي الغنم على قراريط، وابن ماجه في سننه (٢١٤٩)، والبيهقي في السنن الكبرى (٦/ ١١٨)، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٣٩٨٣)، والزيلعي في نصب الراية (٤/ ١٣٢)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (١/ ٥٥)، والذهبي في ميزان الاعتدال (٦٤٧٦).
(٣) معناه: يسارع على زهره، وهو متنه، كلما سمع هيعة، وهي الصوت عند حضور العدو، وهي بفتح الهاء وإسكان الياء: الفزعة، بإسكان الزاي، النهوض إلى العدو. ومعنى يبتغي القتل مظانه يطلبه في مواطنه التي يرجى فيها لشدة رغبته في الشهادة، وفي هذا الحديث فضيلة الجهاد. والرباط الحرص على الشهادة.
وقوله : "أو رجل في غنيمة في رأس شعفة" الغنيمة، بضم الغين: تصغير الغنم، أي قطعة منها، والشعفة بفتح الشين والعين: أعلى الجبل. [النووي في شرح مسلم (١٣/ ٣، ٣٢) طبعة دار الكتب العلمية].

<<  <  ج: ص:  >  >>