للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروينا في صحيح مسلم من حديث جابر (١): "اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم". قلت: ولا أفحش منهما (٢).

[فصل في الورع وترك الشبهات]

قال تعالى: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ (٣) وفيهما (استفاف) (٤) والمتساهل عن تساهله قرب موبقات تُرى أدق من الشعر ورُبَّ شرارة أضرمت نارًا على بلد كبير، إن الأمور صغيرها مما يهيج به العظيم، وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤)(٥) فإن كان بذلك فقد ينزل به سخطه بأمر لا يلقى له بالا ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ (٦).

وروينا من حديث النعمان بن بشير قال: سمعت رسول اللَّه يقول: "إن الحلال بيِّن والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحِمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، وإن حمى اللَّه محارمه، ألا وإن في الجسد مُضْغَة إذا صلُحَت صلُحَ الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (٧) أخرجاه من طرق بألفاظ متقاربة، وهو من أعظم المرغبات في الورع وذكر فوائده العظيمة الشأن، وهو الاستبراء للدين والعرض. وناهيك بأمر يحصل


(١) أخرجه مسلم في صحيحه [٥٦ - (٢٥٧٨)] كتاب البر والصلة والآداب، [١٥] باب تحريم الظلم، وأحمد في مسنده (٢/ ٩٢)، والحاكم في المستدرك (١/ ١١)، والبيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٩٣).
(٢) قوله : "واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم": قال القاضي: يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنه هلاك الآخرة، وهذا الثاني هو الأظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة، قال جماعة: الشح أشد البخل وأبلغ في المنع من البخل، وقيل: هو البخل مع الحرص، وقيل: البخل في أفراد الأمور والشح عام، وقيل البخل في أفراد الأمور والشح بالمال والمعروف، وقيل الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل بما عنده. [النووي في شرح مسلم (١٦/ ١١٠) طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) سورة النور (١٥).
(٤) كذا بالأصل.
(٥) سورة الفجر (١٤).
(٦) سورة طه (٨١).
(٧) أخرجه البخاري في صحيحه (٥٢) كتاب الإيمان، [٤٠] باب فضل من استبرأ لدينه وعرضه، ومسلم في صحيحه [١٠٧ - (١٥٩٩)] كتاب المساقاة، [٢٠] باب أخذ الحلال وترك الشبهات، وأبو داود (٣٣٢٩)، والنسائي (٧/ ٢٤٢، ٨/ ٣١٧ - المجتبى)، وأحمد في مسنده (٤/ ٢٦٩، ٢٧٠)، والبيهقي في السنن الكبرى (٥/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>