للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأعرف صحة ذلك، فلما دنا وقت صلاة الظهر أومأ إليَّ أنه يدفع لي دينارا متى تركته يصلي، فأشرت إليه بأصبعي إني لا آخذ إلا دينارين، فأومأ برأسه: نعم. فلما فرغ من صلاته رأيته ضرب الأرض بيده فدفع إليَّ دينارين (١).

فلما كان وقت العصر أشار كالمرة الأولى، فأشرت إليه: لا آحذ إلا خمسة دنانير، فلما كان وقت المغرب أشار كذلك فقلت: لا آخذ إلا عشرة، فلما نزلنا وأصبحنا دعوت به وسألته عن خبره وخيرته في رجوعه إلى بلاد الإسلام، فاختار الرجوع، فأركبته بغلا، ودفعت إليه زادا، وحملته بنفسي على البغل. فقال لي: أماتك اللَّه على أحب الأديان إليه (٢) فوقع لي من ذلك الوقت الإسلام، وأرسلت معه جماعة من وجوه أصحابي وأوصيتهم بإيصاله إلى أول بلد المسلمين، ودفعت إليه دواة وبياضا، وجعلت بيني وبينه علامة يكتب بها إليَّ إذا وصل مأمنه، وكان بيننا وبين ذلك الموضع مسيرة أربعة أيام، فلما كان اليوم الخامس رجعوا إليَّ أصحابي، فخشيت أن يكونوا قتلوه، فسألتهم عنه فقالوا: لما فارقناك وصلنا معه في ساعة، وأقمنا في رجوعنا أربعة أيام.

[فصل]

روي أن امرأة جاءت إلى بعض المشايخ وقالت: إن ابني قد أسره الروم، ولا أقدر على مال أكثر من دوبرة، ولا أقدر على بيعها، فلو أشرت إلى من يفديه بشيء، فإنه ليس لي ليل ولا نهار ولا نوم ولا قرار (٣).

فقال: نعم، انصرفي حتى أنظر في أمره إن شاء اللَّه. وأطرق الشيخ وحرك شفتيه، ثم جاءت المرأة بعد مدة ومعها ابنها وأخذت تدعو للشيخ وتقول: قد رجع


(١) الكرامة تثبيت لمن أظهرت، ربما وجدها أهل البدايات في بداياتهم، وفقدها أرباب النهايات في نهاياتهم، إذ ما عليه أهل النهاية في الرسوخ في اليقين والقوة والتمكين لا يحتاجون معه إلى مثبت، وهكذا كان السلف الصالح لم يحوجهم الحق سبحانه إلى وجود الكرامات الحسية لما أعطاهم من المعارف الغيبية والعلوم الإشارية ولا يحتاج جبل إلى مرساة، فالكرامة رافعة لزلزلة الشك في المنة، ومُعَرِّفَة بفضل اللَّه فيمن ظهرت عليه وشاهدة له بالاستقامة مع اللَّه سبحانه.
(٢) قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ١٩].
(٣) روى البخاري في صحيحه (٦٣٤٥) في الدعوات عن ابن عباس أن رسول اللَّه كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا اللَّه العظيم الحليم، لا إله إلا اللَّه رب العرش العظيم، لا إله إلا اللَّه رب السموات والأرض، رب العرش الكريم". وفي البخاري أيضا (٤٥٦٣) عن ابن عباس قال: سسحسبنا اللَّه ونعم الوكيلطط قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)﴾.

<<  <  ج: ص:  >  >>