للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

قال الأستاذ (أبو علي) (١) الدقاق (٢) - رحمة اللَّه عليه: ظهرت علة بيعقوب بن الليث أعيت الأطباء، فقالوا له: في ولايتك رجل صالح يسمى سهل بن عبد اللَّه لو دعا لك لعل اللَّه يستجيب له، فاستحضره وقال: ادع لي، فقال سهل: كيف يستجاب دعائي فيك وفي حبسك مظلومون؟ فأطلق كل من في حبسه. فقال سهل: اللهم كما أريته ذل المعصية فأره عز الطاعة. ففرج عنه فعوفي، فعرض مالا على سهل، فأبى أن يقبله. فقيل له: لو قبلته ودفعته إلى الفقراء، فنظر إلى الحصى فإذا هو جواهر، فقال: من يُعْطَى مثل هذا يحتاج إلى مال يعقوب بن الليث؟ ونفعنا به.

[فصل]

عن عبد اللَّه بن المبارك -رحمة اللَّه عليه- قال: كنت بمكة وقد لحق الناس قحط، واستمر إمساك المطر عنهم، فخرج الناس يستسقون في المسجد الحرام (٣) ولم يبق أحد من الصغار والكبار، وكنت في الناس مما يلي باب شيبة، وإذا قد أقبل عبد أسود عليه قطعتا خيش، قد اتزر بأحديهما وألقى الأخرى على عاتقه، فانتهى إلى موضع حُقِّي بحذائي، فسمعته يقول: إلهي وسيدي، قد أخلقت الوجوه كثرة الذنوب ومساوئ الأعمال (٤)، وقد منعتنا غيث السماء الذنوب الخليقة بذلك، فأسألك يا


(١) كذا بالأصل، وما وجدناه "أبو بكر".
(٢) أبو بكر نصر بن أحمد بن نصر الدقاق، كان من أقران الجنيد ومن كبار مشايخ مصر، قال الكاساني: لما مات الدقاق انقطعت حجة الفقراء في دخولهم مصر، وكان يقول: آفة المريد ثلاثة أشياء: التزويج، وكتابة الحديث، ومعاشرة الضد، وكان يقول: لا يصلح هذا الأمر إلا لأقوام قد كنسوا بأرواحهم المزبل على رضا منهم واختيار، وكان يقول: عطشت مرة فاستقبلني جندي فسقاني شربة فعادت قساوتها في قلبي ثلاثين سنة. [انظر الطبقات الكبرى للشعراني (١/ ٧٦)].
(٣) في صلاة الاستسقاء ركعتان وهو كذلك بإجماع المثبتين لها، واختلفوا: هل هي قبل الخطبة أو بعدها، فذهب الشافعي والجماهير إلى أنها قبل الخطبة، وقال الليث: بعد الخطبة، وكان مالك يقول به ثم رجع إلى قول الجماهير. قال أصحابنا: ولو قدم الخطبة على الصلاة صحتا ولكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها.
(٤) الإيمان مرتبط بالولاية، قال ابن عطاء اللَّه: ربط الولاية بالإيمان ليعرفك عزازة قدر الإيمان وعلو منصبه حتى كان سببا لثبوت ولاية اللَّه للعبد، ولا يفهم من هذه الآية: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢٥٧] اختصاص الولاية بمن وقع منه الإيمان قبل نزول هذا الخطاب لإتيانه بصيغة الماضي، بل المراد أن من قام به الإيمان وجبت ولاية اللَّه له، أي وقت كان ذلك الإيمان. [لطائف المنن لابن عطاء اللَّه (٤٧)].

<<  <  ج: ص:  >  >>