للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مجلس في الحث على الازدياد في الخير في أواخر العمر]

قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ (١) معناه أولم نعمركم ستين، ويؤيده الحديث الآتي، وقيل ثماني عشرة، وقيل أربعين، وكان أهل المدينة إذا بلغ أحدهم أربعين سنة تفرغ للعبادة. والنذير: الشارع، وقيل الشيب، والأول: هو التدبير النقلي، والثاني: العقلي والآية توبيخ من الجليل.

فيقول للمصطرخين حين ذلك إجابة لقولهم ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا﴾ (٢) والتوبيخ في المتطاول أعظم، وبين ذلك منادي وغايات آخرها الستون.

وأما الأحاديث فلنذكر منها خمسة، ومدارها على الترغيب في الازدياد؛ فإنه فائدة الخلق والأمر وهو المرتجى لأولي الرأي الصيِّب والكمال الباهر فلا يدوم إلا صنعه يوم القدوم.

أحدها: حديث أبي هريرة مرفوعا: "أعذر اللَّه إلى امرئ أخَّر أجله حتى بَلَّغَهُ ستين سنة" (٣) أخرجه البخاري، أي بلغه الغاية، ففيه الإعذار لمن بلغه والأنذار.


(١) سورة فاطر [٣٧]. اختلف المفسرون في مقدار العمر المراد ههنا، فعن زين العابدين أنه قال: مقدار سبع عشرة سنة، وقال قتادة: اعلموا أن طول العمر حجة، فنعوذ باللَّه أن نغتر بطول العمر، قد نزلت هذه الآية، وإن فيهم لابن ثماني عشرة سنة، وعن ابن المبارك بسنده عن وهب بن منبه قال: عشرون سنة، وعن الحسن البصري قال: أربعين سنة، وعن ابن جرير بسنده عن ابن عباس: العمر الذي أعذر اللَّه -تعالى- لابن آدم أربعون سنة، ومن طريق آخر عن ابن عباس قال: العمر الذي أعذر اللَّه فيه لابن آدم في قوله: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ [فاطر: ٣٧] ستون سنة، قال ابن كثير: وهذه الرواية أصح عن ابن عباس، وهي الصحيحة في نفس الأمر أيضًا لما ثبت من حديث علي أنه قال: العمر الذي عيرهم اللَّه به في قوله: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ [فاطر: ٣٧] ستون سنة. "تفسير ابن كثير [٣/ ٥٧٦، ٥٧٧] ".
(٢) سورة فاطر [٣٧].
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه [٦٤١٩] كتاب الرقاق، [٥] باب من بلغ ستين سنه فقد أعذر اللَّه إليه في العمر لقوله ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: ٣٧]، والسيوطي في الدر المنثور [٥/ ٢٥٤] وابن كثير في تفسيره [٦/ ٥٤٠]، وبلفظ: "من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر اللَّه ﷿ إليه في العمر"، أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده [٣/ ٣٢٠]، والبيهقي في السنن الكبرى [٣/ ٣٧٠]، والشجري في أماليه [٢/ ٢٤٧]، والخطيب في تاريخ بغداد [١/ ٢٩٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>