للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع الغلمان فسلَّم علينا، فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حَبَسَك؟ قلت: بعثني رسول اللَّه لحاجته. قالت: وما حاجته؟ قلت لها: سرّ. قالت: لا تُخبرنَّ بسر رسول اللَّه أحدًا. قال أنس: واللَّه لو حدثت أحدا لحدَّثتك به يا ثابت" (١) أخرجه مسلم، وللبخاري بعضه مختصرًا. وفيه مجرى سادس وهو ما يكون بين الرجل وخادمه. وفيه أن من أهل الحفظ أنس، وحُقَّ له إذ تربَّى في بيت النبوة. وفيه قبول أُمِّه عُذره، بل أكدته بقولها: لا تخبرنَّ بسرِّه أحدا. وعرف أنس أنه (. . . . .) (٢) عليه أو لقرينه، وفيه أن من السرّ ما لا يُفشَى. وفيه أن سؤال الوالدة مع عظم حقوقها (٣) ليس عذرًا يبلغ الإفشاء به.

[مجلس في الأمر بالمحافظة على ما اعتاده من الخير]

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (٤). وفيه تحذير التارك لخير اعتاده من تغيير اللَّه تعالى نعمه عليه. وقال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ (٥). والأنكاث: جمع نكث، وهو الغزل المنقوض. وفيه التنفير من ذلك أيضًا بتشبيهه بامرأة حمقاء نقضت غزلها كما ذكر، فالخير مُقَوٍّ للإيمان والترك له نقيضه، ولا أبلغ من ذلك منفِّرا. وقال تعالى: ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ (٦). وفيها النهي


(١) أخرجه مسلم في صحيحه [١٤٥ - (٢٤٨٢)] كتاب فضائل الصحابة، [٣٢] باب من فضائل أنس بن مالك ، وروى البخاري في صحيحه مختصرًا (٦٢٨٩) كتاب الاستئذان، [٤٦] باب حفظ السر، عن أنس بلفظ: "أسر إليَّ النبي سرًا فما أخبرت به أحدًا بعده، ولقد سألتني أم سليم فما أخبرتها به". وبلفظ البخاري رواه مسلم رقم [١٤٦ - (٢٤٨٢)] به.
(٢) قدر ثلاث كلمات غير واضحة.
(٣) من عظم حقوق الأم ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة: "جاء رجل إلى رسول اللَّه فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك". قال العلماء: سبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه، ثم إرضاعه، ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك، ونقل الحارث المحاسبي إجماع العلماء على أن الأم تفضل في البر على الأب، وحكى القاضي عياض خلافا في ذلك، فقال الجمهور بتفضيلها، وقال بعضهم: يكون برهما سواء، قال: ونسب بعضهم هذا إلى مالك، والصواب الأول، لصريح هذه الأحاديث في المعنى المذكور واللَّه أعلم. [النووي في شرح مسلم (١٦/ ٨٣) طبعة دار الكتب العلمية].
(٤) سورة الرعد (١١).
(٥) سورة النحل (٩٢).
(٦) سورة الحديد (١٦). =

<<  <  ج: ص:  >  >>