للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالت: ما كنت لأفشي على رسول اللَّه سرَّه. فلما توفي رسول اللَّه قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما حدثتيني ما قال لك رسول اللَّه (١) فقالت: أما الآن فنعم، أما حين سارَّني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين، "وأنه عارضني الآن مرتين، وإني لا أُرى الأجل إلَّا قد اقترب فاتقي اللَّه واصبري فإنه نعم السلف أنا لك". فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارَّني الثانية فقال: "يا فاطمة، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟ " فضحكت ضحكي الذي رأيت" (٢) أخرجاه، والسياق لمسلم. وفيه مجرى خامس وهو ما يكون بين الوالد وولده، وفيه أن من أهل حفظ السر سيدة نساء المؤمنين فليُتأسَّى بها. وفيه أن تعريض أم المؤمنين لها بقولها: خصك بكذا وأنت تبكين، ليس عذرا يُستباح بمثله الأشياء، بل بتصريحها المحكي بقولها: فلما مات رسول اللَّه سألتها: ما قال لك؟ وفيه أن المعتذر لا يُكلَّف، والصِّديقة (٣) لم تُلح على الزهراء فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول اللَّه. وفيه أن الزهراء فهمت كونه سرًّا باختصاصها به دون نسائه. وفيه أن وقت الحفظ مدة الحياة النبوية لقرينة أن اقتراب الأجل سبق الإخبار قبل الموت أما بعده فأي مشقَّة فيه، فمن السر ما يُفشَى لكن وقت الإفشاء كما سلف في قصة الصِّديق.

وروينا من حديث ثابت عن أنس (٤) قال: "أتى عليَّ رسول اللَّه وأنا ألعب


(١) روى الترمذي في سننه (٣٨٧٨) كتاب المناقب، باب فضل خديجة عن أنس أن النبي قال: حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون"، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
(٢) تقدم تخريجه أول الحديث في الصحيحين، وأخرجه أيضًا: الترمذي في سننه (٣٨٧٣) كتاب المناقب، باب فضل فاطمة بنت محمد والحاكم في المستدرك (٣/ ١٥٦) وأبو نعيم في حلية الأولياء (٢/ ٤٠)، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٦/ ٢٤٤) وتهذيب خصائص علي للنسائي (٦٤).
(٣) كذا كان لقب عائشة: الصديقة بنت الصديق، ولنا كتاب (الحصون المنيعة فى براءة عائشة الصديقة باتفاق أهل السنة والشيعة) من تحقيقنا. [طبعة دار الكتب العلمية].
(٤) من فضائل أنس بن مالك فيما رواه مسلم [١٤٢ - (٢٤٨١)] من فضائل الصحابة، باب من فضائل أنس، عن أنس قال: دخل النبي علينا وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، فقالت أمي: يا رسول اللَّه خويدمك، ادع اللَّه له، قال: فدعا لي بكل خير، وكان في آخر ما دعا لي به أن قال: "اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيه".
قال النووي: هذا من أعلام نبوته في إجابة دعائه.
وفي رقم (١٤٣) قال أنس: فواللَّه إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون علي نحو المائة اليوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>