للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عرضت عليَّ إلَّا أني كنت علمت أن رسول اللَّه ذكرها، فلم أكن أفشي سرَّ رسول اللَّه ، ولو تركها لقبلتها" (١) أخرجه البخاري. وتأيَّمت: صارت بلا زوج، وكان زوجها توفي. ووَجَدت: غضبت. وفيه مجرى ثان: وهو ما يكون في مجالس الكبراء. وثالث: وهو ما يقع من نحو الشيخ والأستاذ. ورابع: وهو ما يُحدِّث به الصاحب عن شأنه وعزائمه ونحو ذلك، فالصِّدِّيق اعتذر بأنه لم يكن يفشي سرَّ رسول اللَّه (٢). وفيه أن حافظ الأسرار وكاتمها خير الأمة وصديقها فليقتد به المستأذنون. وفيه أن الصديق عرف أن سر نفريته مجرد الذكر من غير يقين وقوع ذلك، ولو تركها الشارع قبلها. وفيه أن وقت الحفظ ما لم يقع، فالسر بعد وقوعه إذ لا أذى يتوهم حينئذ، فلذلك ذكره الصديق. وفيه أن حفظ قلوب الأحباب الأكابر ليس عذرا في إفشاء السر، فالصديق عرف غضب الفاروق في سكوته كما يصرح به قوله: "لعلك وجدت عليَّ. . . " إلى آخره. ومع هذا كتم السر ولم يفشه وكانت موجدة عمر عليه أسهل من إفشاء سرِّه .

وروينا من حديث عائشة قالت (٣): "كُنَّ أزواج رسول اللَّه عنده، فأقبلت فاطمة تمشي مشيتها من مشية رسول اللَّه ، فلما رآها رحَّب بها وقال: "مرحبا بابنتي"، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارَّها فبكت بكاءً شديدا، فلما رأى جزعها سارَّها ثانية فضحكت (٤)، فقلت لها: خصَّك رسول اللَّه من بين نسائه بالسِّرار ثم أنت تبكين، فلما قام رسول اللَّه سألتها: ما قال لك رسول اللَّه؟


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٥١٢٢) كتاب النكاح، [٣٤] باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير.
(٢) قال الذهبي في ترجمته لحفصة أم المؤمنين: تزوجها النبي سنة ثلاث من الهجرة، قالت عائشة: وهو التي كانت تساميني من أزواج النبي . ويروى أنها ولدت قبل النبوة بخمس سنين، وهي أخت عبد اللَّه بن عمر وأمهما هي زينب أخ عثمان بن مظعون، وكانت حفصة قبل النبي تحت خنيس بن حذافة السهمي، أحد من شهد بدرًا فتوفي بالمدينة. [تاريخ الإسلام، وفيات (٤١ - ٥٠)].
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (٣٧١٥، ٣٧١٦) كتاب فضائل أصحاب النبي ، [١١] باب مناقب قرابة رسول اللَّه ومنقبة فاطمة. . بنت النبي . وقال النبي : "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة"، ومسلم في صحيحه، [٩٨ - (٢٤٥٠)] كتاب فضائل الصحابة، [١٥] باب فضائل فاطمة بنت النبي. .
(٤) قولها: "فأخبرني أني أول من يلحق به من أهله فضحكت" هذه معجزة ظاهرة له بل معجزتان، فأخبر ببقائها بعده، وبأنها أول أهله لحوقا به، ووقع كذلك، وضحكت سرورًا بسرعة لحاقها، وفيه إيثارهم الآخرة وسرورهم بالانتقال إليها والخلاص من الدنيا. [النووي في شرح مسلم (١٦/ ٥) طبعة دار الكتب العلمية].

<<  <  ج: ص:  >  >>