للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

قال بعض السلف - رحمة اللَّه عليه: كان لرجل على رجل مائة دينار بوثيقة إلى أجل.

فلما جاء الأجل طلب الوثيقة فلم يجدها، فجاء إلى بنان الجمال (١) فسأله الدعاء، فقال له: أنا قد كبرت وأنا أحب الحلوى، اذهب فاشتر لي رطل معقود وجئني به حتى أدعو لك.

فذهب فاشترى له ما قال ثم جاءه، فقال له بنان: افتح القرطاس، ففتحه فإذا بالوثيقة فيه. فقال له بنان: خذ وثيقتك وخذ المعقود وأطعمه صبيانك، فأخذهما ومضى، ولم يأخذ منه شيئا، ونفعنا به.

[فصل]

روي أنه لما وصل أبو عبد اللَّه القرشي (٢) إلى القدس كان معه الفقيه أبو طاهر المحلي، فمر الفقيه أبو طاهر المذكور على مدرسة بالقدس والفقهاء جالسون على بابها بأعظم هيئة ولباس، وزي أكثرهم أعاجم، فاستحيا أن يمر عليهم لحقارته في نفسه، وهو شاب أسود فقير رث الحال.

فلما رجع إلى الشيخ وبات معه إلى الصبح قال له الشيخ: امض إلى المدرسة التي مررت عليها، كن بها معيدًا، قال: فتعجبت وعظم ذلك عليَّ واستحلت وقوعه، ولم يمكني إلا الامتثال، فجئت إليها وأنا أتوهم أن البواب يمنعني من الدخول فلم يمنعني، فدخلت فوجدت المدرس جالسا، وحلقة كبيرة دائرة عليه، فأردت أن أدخل في الحلقة، فلم يفسح لي (٣) أحد منهم احتقارًا وامتهانه بي.


(١) أبو الحسن بنان بن محمد بن حمدان بن سعيد الجمال، كان أصله من واسط، سكن مصر واستوطنها، ومات بها ودفن بالقرافة من الجبل سنة (٣١٦)، وكان من جملة المشايخ القائمين بالحق والآمرين بالمعروف، له المقامات المشهورة والكرامات المذكورة، صحب أبا القاسم الجنيد وغيره من مشايخ الوقت، وكان أستاذ النوري، ومن كلامه: أجل أحوال الصوفية الثقة بالمضمون، والقيام بالأمر والمراعاة للسر، والتخلي من الكونين والتعلق بالحق تعالى. [الطبقات الكبرى للشعراني (١/ ٨٤)].
(٢) قال أبو عبد اللَّه القرشي: الزم العبودية وآدابها، ولا تطلب بها الوصول إليه، فإنه إذا أرادك له أوصلك إليه، وأي عمل خلص حتى تطلب به الوصول؟ وكان يقول: أبت البشرية أن تتوجه إلى اللَّه تعالى في الشدائد، فقيل له في ذلك، قال: عطشت مرة في طريق الحاج فقلت لخادمي: اغرف لي من البحر المالح، فغرف لي ماء حلوا، فلما ذهبت الضرورة غرفت فإذا هو مالح.
(٣) روى مسلم في صحيحه [٢٦ - (٢١٧٦)] كتاب السلام، [١٠] باب من أتى مجلسا فوجد فرجة =

<<  <  ج: ص:  >  >>