للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وبقيت في بعض السياحات (١) أياما لم أر فيها أحدا من الناس ولا طيرا ولا ذا روح، وإذا بشخص لا أدري من أين خرج، فقال لي: قل لهذه الشجرة تحمل ذهبا. فقلت: احملي دنانير فلم تحمل، ثم قال لها هو: احملي دنانير، فإذا بشماريخ (٢) دنانير معلقة، فاشتغلت أنظر، ثم التفت، فلم أر الشخص وذهبت الدنانير من الشجرة.

[فصل]

قال ذو النون المصري (٣): ركبنا مرة في مركب، وركب معنا شاب صبيح الوجه يشرق، فلما توسطنا فقد صاحب المركب كيسا فيه مال ففتش كل من في المركب، فلما وصلوا إلى الشاب ليفتشوه وثب وثبة من المركب حتى جلس على أمواج البحر، وقام له الموج على مثال السرير، ونحن ننظر إليه في المركب، وقال (٤): يا مولاي إن هؤلاء اتهموني، وإني أقسم عليك يا حبيب قلبي أن تأمر كل دابة في هذا المكان أن تخرج رأسها وفي أفواهها جواهر. فواللَّه ما تم كلامه حتى تم ذلك، وفي فم كل واحدة جوهرة تتلألأ وتلمع، ثم وثب الشاب من الموج إلى البحر وجعل يتبختر على متن الماء ويقول: إياك نعبد وإياك نستعين، حتى غاب عن بصري، قال: فحملني هذا على السياحة، وذكرت قول النبي : "لا يزال في أمتي ثلاثون قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن، كلما مات منهم واحد أبدل اللَّه مكانه واحدًا" (٥).


(١) السياحة: التنقل من بلد إلى بلد طلبا للنزهة أو الاستطلاع والكشف.
(٢) الشمروخ: العرجون عليه بسر، والعنقود عليه عنب، جمعها: شماريخ.
(٣) قال محمد بن يعقوب بن الفرجي: كنت مع ذي النون في الزورق، فمر بنا زورق آخر، فقيل لذي النون: إن هؤلاء يمرون إلى السلطان يشهدون عليك بالكفر، فقال: اللهم إن كانوا كاذبين فغرقهم، فانقلبت الزورق، وغرقوا. فقلت له: احسب أن هؤلاء قد مضوا يكذبون فما بال الملاح؟ قال: لِمَ حملهم وهو يعلم قصدهم، لأن يقفوا بين يدي اللَّه غرقى خير لهم من أن يقفوا شهود الزور، ثم انتفض وتغير وقال: وعزتك لا أعود على خلقك بهذا. [تاريخ الإسلام للذهبي وفيات (٢٤١ - ٢٥٠)].
(٤) فرقة من المتصوفة المبطلة آمنوا بعصمة الولي وطهارته وعظم قدرته في حياته وبعد مماته، وخافوا الإنكار عليه ولو أتى المنكرات واقترف الفواحش، وفضلوا الولاية على النبوة، وحجتهم أن الأنبياء يوحى إليهم بواسطة والأولياء يتلقون من اللَّه بلا واسطة، وكان الجنيد مثلا يقول: خضنا بحرا وقف الأنبياء على ساحله. [انظر المعجم الصوفي (ص ٣٧، ٣٨)].
(٥) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٨/ ١٦٨)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (١/ ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>