للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مجلس في فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر]

وهو فيما قال الجنيد: (١) استصغار الدنيا ومحو آثارها من القلب.

وقال أبو سليمان الداراني: ترك ما هو أشغل عن اللَّه.

وقال الشبلي: هو غروب النفس عما سوى اللَّه، وثمرته أن لا تفرح بموجود من ذلك، ولا تأسي على مفقود منه.

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [يونس: ٢٤] إلى قوله: ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ (٢).

فأخبر اللَّه أن سرعة الدنيا وإقبالها وسرعة زوالها كالزرع، ثم ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (٨)(٣).

وقال تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾ (٤) إلى قوله: ﴿وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ (٥).


(١) ومن أقواله: أعلى درجة الكبر أن ترى نفسك وأدناها أن تخطر ببالك يعني نفسك، وقال الجريري: سمعته يقول: ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات، وذكر أبو جعفر الفرغاني أنه سمع الجنيد يقول: أقل ما في الكلام سقوط هيبة الرب من القلب، والقلب إذا عري من الهيبة عري من الإيمان. "تاريخ الإسلام للذهبي، وفيإت [٣٠١ - ٣٢٠] ".
(٢) سورة يونس [٢٤].
ضرب مثلًا لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها بالنبات الذي أخرجه اللَّه من الأرض بماء أنزل من السماء مما يأكل الناس من زروع وثمار على اختلاف أنواعها وأصنافها وما تأكل الأنعام من أب وقضب وغير ذلك ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا﴾ [يونس: ٢٤] أي زينتها الفانية ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ [يونس: ٢٤] أي حسنت ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ [يونس: ٢٤] أي جذاذها وحصادها، فبينما هم كذلك إذ جاءتها صاعقة أو ريح شديدة باردة فأيبست أوراقها، وأتلفت ثمارها، ولهذا قال تعالى: ﴿أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا﴾ [يونس: ٢٤]. "تفسير ابن كثير [٢/ ٤٢٢] ".
(٣) سورة الحاقة [٨].
(٤) سورة الكهف [٤٥].
(٥) سورة الكهف [٤٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>