للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مجلس في فضل الجوع وخشونة العيش]

والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرهما من حظوظ النفس وترك الشهوات.

قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ (١)؛ أي من بعد النبيين المذكورين في الآية قبلها، ﴿خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ (٢)؛ أي بطنا وفرجا، وهذا عند اقتراب الساعة وذهاب صالحي هذه الأمة، ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ (٣)؛ أي شرا أو ضلالا عن طريق الجنة، أو وادي بقعر جهنم. وأودية جهنم تستغيث من حرِّه. أُعد للزاني المُصرّ والشارب المُدمن وغيرهما. والخلْف: قوم سوء. وهو بفتح اللام: الصالح. وبالجزم: الطالح. والخلْف بسكون اللام: الرديء من كل شيء. وهم في هذه الآية اليهود ومن لحق بهم، أو في هذه الأمة، ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾ تركوها عن مواقيتها. يعني المفروضة. أخَّروها عن مواقيتها وصلُّوها لغير وقتها. وقال تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾ [القصص: ٧٩] إلى قوله: ﴿صَالِحًا﴾. وكانت زينته وجاهة وصورًا حسانًا


(١) سورة مريم (٥٩). لما ذكر اللَّه تعالى حزب السعداء وهم الأنبياء ومن اتبعهم من القائمين بحدود اللَّه وأوامره، المؤدين فرائض اللَّه التاركين لزواجره، ذكر أنه ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ أي قرون أخر ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾ [مريم: ٥٩]، وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع؛ لأنها عماد الدين وقوامه، وخير أعمال العباد، وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، فهؤلاء سيلقون غيا: أي خسارًا يوم القيامة. (تفسير ابن كثير (٣/ ١٣١)).
(٢) قال علي بن طلحة عن ابن عباس: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] أي خسرانا، وقال قتادة: شرًا. وعن ابن مسعود قال: واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم، وعن أبي عياض: واد في جهنم من قيح ودم (مختصرًا من تفسير ابن كثير (٣/ ١٣٢)).
(٣) سورة القصص (٧٩، ٨٠). يقول تعالى مخبرا عن قارون أنه خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة وتجمل باهر من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه، فلما رآه من يريد الحياة الدنيا ويميل إلى زخارفها وزينتها تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي، فقالوا: ﴿يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ﴾ أي ذو حظ وافر من الدنيا، فلما سمع مقالتهم أهل العلم قالوا لهم: ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [القصص: ٨٠] (تفسير ابن كثير (٣/ ٤١٤)).

<<  <  ج: ص:  >  >>