للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومواكب وزخرفًا وأرجوان. وقال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)(١). وقال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ﴾ (٢) الآية. فلم يظفر ببغيته كلها، بل بما شاء اللَّه منها أو من غيرها لا غير، أو لا يظفر بشيء أصلا إنما المرزوق من يؤيده اللَّه، أو يظفر بذلك كله ثم يكون عليهم حسرة. ومآل من يريد العاجلة ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا﴾ [الإسراء: ١٨] مطرودا من الرحمة، ومريدها من عقدها همته كأكثر الفسقة والغافلين، وقيل: هو من يريد الدنيا بعمل الآخرة كالمنافق والمُرائي والمهاجر للدنيا والمجاهد للغنيمة والذكر ونحو ذلك. ولنذكر بعد ذلك أحاديث فيها بيان أهل التقلل من الحظوظ ومسهلات التحقيق، وبيان فوائده ومدح القوت وأن فقده شديد وبلوغه لا مشقة معه، وذم الزيادة عليه والتعريف بنعمة قوت يوم، وفضل الكفاف بأوجه ما يرغب أبناء الدنيا والأخرى. ومرتبة الخصاصة وشرف أهلها وذم الشبع وما ينفر منه ويزجر عنه وحد ما ينبغي أن ينتهي إليه إلَّا شدَّة. وأن البذاذة من الإيمان فالعدول عنه ضلال، وأن كل حال من سعة أو تقتير له حكمة مع القصد في السعة أيضًا وغير ذلك. وجماعها نيف وثلاثون حديثا.

أولها: حديث عائشة قالت: "ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قُبض" (٣). أخرجاه. وفي رواية: "ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بُرٍّ ثلاث ليال تباعا حتى قُبض" (٤). ونفي الشبع لا يثبت الجوع، والوسط هو الاختيار.


(١) سورة التكاثر (٨).
(٢) سورة الإسراء (١٨). يخبر تعالى أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصل له، بل إنما يحصل لمن أراد اللَّه، ومن يشاء، وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات؛ فإنه قال: ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ﴾ أي في الآخرة ﴿يَصْلَاهَا﴾ أي يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه ﴿مَذْمُومًا﴾ أي في حال كونه مذموما على سوء تصرفه وضيعه، إذ اختار الفاني على الباقي ﴿مَدْحُورًا﴾ مبعدًا مقصيًا حقيرًا ذليلًا مهانًا. (تفسير ابن كثير (٣/ ٣٤)).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (٦٤٥٤) كتاب الرقاق، [١٧] باب كيف كان عيش النبي وأصحابه وتخليهم من الدنيا، ومسلم في صحيحه [٢٢ - (٢٩٧٠)] كتاب الزهد والرقائق في المقدمة، والترمذي في سننه (٢٣٥٧)، وابن ماجه في سننه (٣٣٤٦)، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤/ ١٨٧)، والهيثمي في مجمع الزوائد (١٠/ ٣١٤)، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٤١٩٣، ٥٢٣٧).
(٤) أخرجه البخاري (٦٤٥٤) في الرقاق، [١٧] باب كيف كان عيش النبي وأصحابه وتخليهم من الدنيا، ومسلم في صحيحه [٢١ - (٢٩٧٠)] كتاب الزهد والرقائق، في مقدمته، وابن ماجه (٣٣٤٤، ٣٣٤٣) والمنذري في الترغيب والترهيب (٤/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>