للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضا. وليس المراد ضعيف البدن إذ لا مدخل له في الإمارة ولا ضعف العلم فإنه حفظ علمًا جمًّا كما قال عمر ، ولا ضعف الهمة والتصميم على الحق، وإنما المراد الضعف عن احتمال لجاج الخصوم ولددهم وكان خلقه لا يحتمل ذلك، أو عن شدّ أيد أهوالها وحزبها ونكالها فيما يظهر. وقوله: "فإنها أمانة" أي من التي أمنت السماوات والأرض عليها ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا﴾ [الأحزاب: ٧٢]. وقوله: "فإنها يوم القيامة خزي وندامة" فشهوده عياني لكل موفق. وقوله: "إلَّا من أخذها بحقها" أشد مستوقف عنها لمن فهم قوله: "وأدَّى الذي عليه"، فيها أبلغ مانع وأكف منفر (١).

وروينا من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة" (٢) أخرجه البخاري. فالحرص عليها إذن لشهود أنها "نعم المرضعة وبئست الفاطمة".

مجلس في حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قُرَناء السوء والقبول منهم

قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧)(٣). وفيها الإغراء بخلة المتقين والتحذير من خلة غيرهم وأنها عداوة في الحقيقة.


(١) هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لاسيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها أو كان أهلا ولم يعدل فيها فيخزيه اللَّه تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط، وأما من كان أهلا للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة، كحديث "سبعة يظلهم اللَّه. . . " وحديث "إن المقسطين على منابر من نور. . . "، وإجماع المسلمين منعقد عليه. [النووي في شرح مسلم (١٤/ ١٧٧) طبعة دار الكتب العلمية].
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٧١٤٨) كتاب الأحكام، [٧] باب ما يكره من الحرص على الإمارة، والنسائي (٧/ ١٦٢، ٨/ ٢٢٥ - المجتبى)، وأحمد في مسنده (٢/ ٤٧٦)، والبيهقي في السنن الكبرى (٣/ ١٢٩، ١٠/ ٩٥)، والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ١٦٠)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (٧/ ٩٣)، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٣٦٨١)، والزبيدي في الإتحاف (٨/ ٣١٧)، وابن أبي شيبة في مصنفه (١٢/ ٢١٦).
(٣) سورة الزخرف (٦٧).
أي كل صداقة وصحابة لغير اللَّه فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان للَّه ﷿، فإنه دائم بدوامه، وهذا كما قال إبراهيم. . لقومه: ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٥] [تفسير ابن كثير (٤/ ١٣٣)].

<<  <  ج: ص:  >  >>