للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة من حديث أبي بكر الصديق قال: "يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] وإني سمعت رسول اللَّه يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يَعُمَّهُم اللَّه بعقاب منه"" (١).

وفي موضع هذه الآية وجهان: أحدهما: وهو مذهب الصدّيق: أنها فيمن يخاف من كفر أو وقوع عصيان في الوجود، وثانيهما: وهو مذهب ابن مسعود: أنها فيمن سقط الإنكار عنهم، وفيه وجه ثالث: أنها لرفع فرض الإنكار في آخر الزمان، ولا شك أن الإنكار لا يسقط فرضه عند اجتماع شرائطه (٢) وإذا سقط لانتفاء شرطه لم يضُر الضار إلا نفسه.

فصل في تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف فعلُهُ قوله

قال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٤٤)(٣) فنسيان النفس مع نصح الناس مخالفة لبداهة العقول.

وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ


(١) أخرجه أبو داود في سننه [٤٣٣٨] كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، والترمذي [٢١٦٨] كتاب الفتن، باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر، ورقم [٣٠٥٧] كتاب تفسير القرآن، باب من سورة المائدة، وابن ماجه [٤٠٠٥] في الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأحمد في مسنده [١/ ٧]، والبيهقي في السنن الكبرى [١٠/ ٩١]، وابن حبان في صحيحه [١٨٣٧ - الموارد]، والمنذري في الترغيب والترهيب [٣/ ٢٢٩].
(٢) في حديث مسلم المتقدم "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه. . . . " الحديث، قال النووي: وأما قوله : "فليغيره، فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة واجماع الأمة، وهو أيضًا من النصيحة التي هي الدين، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة، ولا يعتد بخلافهم كما قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين: لا يكترث بخلافهم في هذا، فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن يبغ هؤلاء، ووجوبه بالشرع لا بالعقل خلافًا للمعتزلة. "شرح مسلم للنووي [٢/ ٢٠] ".
(٣) سورة البقرة [٤٤].
يقول تعالى: كيف يليق بكم يا معشر أهل الكتاب وأنتم تأمرون الناس بالبر وهو جماع الخير أن تنسوا أنفسكم فلا تأمرون بما تأمرون الناس به وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب وتعلمون ما فيه على من قصر في أوامر اللَّه؟ أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم فتنتبهوا من رقدتكم وتتبصروا من عمايتكم. "تفسير ابن كثير [١/ ٨٥] ".

<<  <  ج: ص:  >  >>