للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما جاوزنا الميقات (١) صلينا ركعتين وقال: انو الحج، فنويت، ثم لبوا ولبيت معهم، وسجدوا وسجدت معهم.

فلما كان بعد ساعة رفعوا رؤوسهم، ورفعت رأسي فرأيت جبالا وأرضا لا أعرفها، ورأيت جمالا وناسا سائرين، فقال لي إبراهيم: هؤلاء خارجون من منى يريدون عرفة، ثم أخذوا بيدي فسرنا حتى وافينا مسجد عرفات، فاشتروا ماء، فاغتسلنا، واشتروا تمرا وخبزا، فقال إبراهيم: كل، فقلت: إني صائم، فقال: لا تخالف نبيك فقد أفطر في مثل هذا اليوم (٢) فلما كان عند غروب الشمس دفعوا إليَّ السطل وفيه الدراهم، فقال لي إبراهيم: خذ هذا واستعن به على أمرك، وعليك بالشام، ثم افترقنا فلم أرهم بعد ذلك.

[فصل]

عن بعض الأخيار قال: سمعت بالشيخ أبي الفضل الجوهري المصري فخرجت من بلدي وعقدت النية لزيارته، فدخلت مصر يوم الجمعة، فحضرت مجلس وعظه مع جماعة الناس، فإذا الشيخ بهي المنظر مليح المخطر، عليه رياش (٣) وأثواب رفيعة، وعمامة شرب، وطيلسان (٤) كذلك، وله همة عالية، وقباء (٥) واسع، وقال: دنيا واسعة. فقلت في نفسي: هذا ابن الجوهري الذي قيل فيه ما قيل، وسارت الركبان بصلاحه ودينه وورعه وكثرة صفاته وقوة إيمانه، وهو على الحال؟ فتعجبت من ذلك وتركته، على تلك الحال، فبينما أنا أسير في بعض أزقة مصر إذا


(١) انظر رأي العلماء في المواقيت تقدم قيل هذا قريبا. وهو أوسع مما ذكرنا، انظر شرح مسلم للنووي (٨/ ٦٧) طبعة دار الكتب العلمية.
(٢) مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وجمهور العلماء استحباب فطر يوم عرفة بعرفة للحاج، وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان بن عفان وابن عمر والثوري. قال: وكان ابن الزبير وعائشة يصومانه. وروي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي العاص، وكان إسحاق يميل إليه، وكان عطاء يصومه في الشتاء دون الصيف، وقال قتادة: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء، واحتج الجمهور بفطر النبي فيه، ولأنه أرفق بالحاج في آداب الوقوف ومهمات المناسك، واحتج الآخرون بالأحاديث المطلقة أن صوم عرفة كفارة سنتين، وحمله الجمهور على من ليس هناك.
(٣) الريش: اللباس الفاخر، والحالة الجميلة.
(٤) الطيلسان: ضرب من الأوشحة يلبس على الكتف أو يحيط بالبدن، خال من التفصيل والخياطة، وهو ما يعرف في العامية المصرية بالشال، جمعها: طيالسة وطيالس.
(٥) القباء: ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>