للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بامرأة تصيح وتنوح (١) وتبكي: وامصيبتاه، وافضيحتاه، فتقدمت إليها رحمة لها مما تعمل بنفسها، فقلت: ما لك؟ وما قضيتك؟ فقالت: يا سيدي أنا امرأة من أرباب البيوت، ولم يكن لي سوى بنت واحدة، فتعبت بها إلى أن ترعرعت (٢) واستوت، خطبها مني صلاح (العالمين) (٣) فزوجتها منه، وهذه ليلة دخولها على بعلها، وقد اعترض بها جان فأذهب عقلها.

فقلت لها: لا بأس عليك، عليَّ دواؤها وإصلاح شأنها، فسكن قلبها ومضت قدامي إلى أن أتت بي إلى دار عالية البنيان فأذنت لي فصعدت إلى مجلس فيه من جميع الأفنان مما يصلح لأهل العرس والولدان، وأمرتني بالجلوس ففعلت، وإذا بابنتها تلتفت يمينا وشمالا مما حل بها، مع ما بها من الحسن والجمال.

فقرأت عليها عشر آيات بسبع قراآت، فتكلم عند ذلك الجان (٤) بأفصح لسان، وقال: يا شيخ أبا بكر لا تفتخر علينا بقراءتك على الروايات؛ فنحن سبعون صنفا من الجان، أسلمنا على يد علي يوم بئر ذات العلم. جئنا في يومنا هذا نصلي وراء الشيخ الصالح أبي الفضل الجوهري الذي احتقرت به وظننت به ما ظننت، فاستغفر اللَّه من ذلك وأدرك غقلتك بالثوبة إلى ربك.


(١) روى مسلم في صحيحه [٢٩ - (٩٣٤)] كتاب الجنائز، [١٠] باب التشديد في النياحة، عن أبي مالك الأشعري رفعه: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة". وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب".
قال النووي: فيه دليل على تحريم النياحة، وهو مجمع عليه، وفيه صحة التوبة ما لم يمت المكلف ولم يصل إلى الغرغرة.
(٢) رعرع اللَّه الغلام: أنبته وأنشأه، وترعرع الصبي: نشأ وشب، ويقال: ترعرع النبات.
(٣) كذا بالأصل.
(٤) فيما روى البخاري ومسلم وتقدم في العفريت الذي همَّ النبي بربطه في سارية من سواري المسجد ثم أطلقه لما تذكر قول سليمان : ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥] فرده اللَّه خاسئا.
قال النووي في شرح مسلم: في دليل على أن الجن موجودون، وأنهم قد يراهم بعض الآدميين، وأما قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٢٧] فمجمول على الغالب؛ فلو كانت رؤيتهم محالا لما قال النبي ما قال من رؤيته إياه ومن أنه كان يربطه لينظروا كلهم إليه ويلعب به ولدان أهل المدينة. قال القاضي: وقيل إن رؤيتهم على خلقهم وصورهم الأصلية ممتنعة لظاهر الآية، إلا للأنبياء - صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين، ومن خرقت له العادة، وإنما يراهم بنو آدم في صور غير صورهم، كما جاء في الآثار. [النووي في شرح مسلم (٥/ ٢٦) طبعة دار الكتب العلمية].

<<  <  ج: ص:  >  >>