للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مجلس في تحريم العقوق وقطيعة الرحم]

قال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣)(١) فالقاطع لُعِنَ وصُمَّ وَعُمِيَ.

وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ [الرعد: ٢٥] إلى قوله: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [الرعد: ٢٥] (٢) ذكر ذلك بلام الاستحقاق.

وقال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: ٢٣] (٣) الآية، وأُف والنَّهْرُ نوعان نبه بهما على الأعلى بالأدنى.

وروينا في الصحيحين من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث قال: قال رسول اللَّه : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قلنا: بلى يا رسول اللَّه، قال: "الإشراك باللَّه وعقوق الوالدين" وكان متكئًا فجلس وقال: "ألا وقول الزور وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت" (٤) فقرن عقوق الوالدين بالشرك باللَّه، وحكم بأنه أكبر الكبائر،


(١) سورة محمد [٢٢، ٢٣].
أي عن الجهاد ونكلتم عنه ﴿أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: ٢٢] أي تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء؛ تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام، ولهذا قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣)﴾ [محمد: ٢٣] وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عمومًا، وعن قطع الأرحام خصوصًا بل قد أمر اللَّه -تعالى- بالإصلاح في الأرض وصلة الرحم وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال. "تفسير ابن كثير [٤/ ١٧٨] ".
(٢) سورة الرعد [٢٧].
(٣) سورة الإسراء [٢٣]. يقول تعالى آمرًا بعبادته وحده لا شريك له، فإن القضاء ههنا بمعنى الأمر، قال مجاهد ﴿وَقَضَى﴾ [الإسراء: ٢٣]: يعني وصى، ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ أي وأمر بالوالدين إحسانا، كقوله في الآية الأخرى ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: ١٤]، وقوله: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ أي لا تسمعهما قولًا سيئًا حتى ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ. "تفسير ابن كثير [٣/ ٣٥] ".
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه [٦٩١٩] كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، [١] باب إثم من أشرك باللَّه وعقوبته في الدنيا والآخرة، ومسلم في صحيحه [١٤٣ - (٨٧)] كتاب الإيمان، [٣٨] باب بيان الكبائر وأكبرها، وأحمد في مسنده [٣/ ١٣١، ٥/ ٣٦]، والبيهقي في السنن الكبرى [١٠/ ١٢١]، والهيثمي في مجمع الزوائد [١/ ١٠٣]، والسيوطي في الدر المنثور [٢/ ١١٧، ١٤٧]، والطبراني في المعجم الكبير [١٨/ ١٤٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>