للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالبدلاء، فسئمت من السياحة والسفر، فرجعت إلى بلد إصطخر (١) فارس فدخلت دويرة الصوفية، فرأيت جماعة من المشايخ، وبين أيديهم مأكول، وهم تسعة نفر، منهم الحسن بن أبي سعد، وأبو الأزهر بن حيان، فتوضأت، فلما فرغت وسَّعوا لي، وقعدت معهم وتناولت ما كانوا يأكلون. ثم تفرقنا، فرقدت رقدة فرأيت النبي في المنام (٢) يقول لي: سس يا ابن خفيف من كنت تطلبهم وترجوا مجالستهم هم هؤلاء في هذا البلد، وأنت منهم طط.

قال: فطالبتني نفسي أن أخبر القوم بما رأيته، فعلاني منهم وقار وهيبة، فلم ألبث ساعة من النهار حتى قابلني أبو الحسن بن أبي سعد، وقال لي: يا أبا عبد اللَّه أخبرهم بما رأيت في المنام، فأخبرتهم، فتفرقوا في البلدان حتى فشى الخبر.

[فصل]

قال محمد بن العلاف: حضرت يوما عند محمد بن أحمد في مجلس وعظه، وهو على الكرسي، فغشيه النعاس فنام فأمسك أبو الحسين محمد بن أحمد عن الكلام ساعة حتى استيقظ أبو الفتح ورفع رأسه.

فقال أبو الحسين: رأيت النبي (٣) في نومك؟ قال: نعم. قال: فلذلك أمسكت عن الكلام خوفا أن تنزعج أو ينقطع عنك ما كنت فيه (٤).


= فسلكه ثم رجع عنه عذبه اللَّه عذابا لم يعذب به أحدا من العالمين" وكان يقول أيضًا: عليك بمن يعظك بلسان فعله ولا يعظك بلسان قوله. [انظر طبقات الشعراني (١/ ١٠٣)].
(١) إصطخر: من أرض فارس بخراسان.
(٢) قال النووي: اختلف العلماء في معنى قوله : "فقد رآني" فيما روي من حديثه: "من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي" فقال ابن الباقلاني: معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث، ولا من تشبيهات الشيطان، ويؤيده قوله: رواية: فقد رأى الحق، أي الرؤيا الصحيحة، قال: وقد يراه الرائي على خلاف صفته المعروفة، كمن رآه أبيض اللحية، وقد يراه شخصان في زمن واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، ويراه كل منهما في مكانه. [النووي في شرح مسلم (١٥/ ٢٠) طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) قال القاضي: قال بعض العلماء: خص اللَّه تعالى النبي بأن رؤية الناس إياه صحيحة، وكلها صدق، ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم كما خرق اللَّه تعالى العادة للأنبياء بالمعجزة، وكما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة، ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل ولم يوثق بما جاء به مخافة من هذا التصور، فحماه اللَّه تعالى من الشيطان ونزغه ووسوسته وإلقائه وكيده. [المرجع السابق (١٥/ ٢١)].
(٤) قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (١١/ ١٧): الصوفيون قد يكونون من أجل الصديقين بحسب =

<<  <  ج: ص:  >  >>