للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مجلس في التنافس في أمور الآخرة والاستكثار مما يتبرك به]

قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ (١) أي في نعيم الأبرار والنضرة والرحيق المختوم، فيتنافس فيه أولوا الجد.

وروينا (٢) من حديث سهل بن سعد: "أن رسول اللَّه أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: "أتأذن لي أن أُعطي هؤلاء؟ " فقال الغلام: واللَّه يا رسول اللَّه لا أُوثر بنصيبي منك أحدا. فتلَّهُ رسول اللَّه في يده" (٣) أخرجاه. تلَّهُ. بالتاء المثناة فوق: وضعه. وهذا الغلام هو ابن عباس وفيه المنافسة في السؤر النبوي، ولهذا بادر باليمين وبقوله: لا أوثر بنصيبي منك. وهو لائح في عظم الهبة والتوقير.

وروينا من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "بينما أيوب يغتسل عُرْيانًا فخرَّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه. ﷿: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غِنَا بي عن بركتك" (٤) أخرجه


(١) سورة المطففين (٢٦).
(٢) في هذه الأحاديث بيان هذه السنة الواضحة، وهو موافق لما تظاهرت عليه دلائل الشرع من استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام، وفيه أن الأيمن في الشراب ونحوه يقدم، وإن كان صغيرا ومفضولا؛ لأن رسول اللَّه قدم الأعرابي والغلام على أبي بكر. رضي اللَّه تعالى عنه. وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف. [النووي في شرح مسلم (١٣/ ١٦٩) طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (٥٦٢٠) كتاب الأشربة، [١٩] باب هل يستأذن الرجل من عن يمينه في الشراب ليعطي الأكبر؟، ومسلم في صحيحه [١٢٧ - (٢٠٣٠)] كتاب الأشربة، [١٧] باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما من يمين المبتدئ.، وأحمد في مسنده (٥/ ٣٣٣)، والبيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٢٨٦)، ومالك في الموطأ (٩٢٧).
قوله: "فتله في يده" أي وضعه فيها، وقد جاء في مسند أبي بكر بن أبي شيبة أن هذا الغلام هو عبد اللَّه بن عباس، ومن الأشياخ خالد ابن الوليد ، وفي هذه الأحاديث أنواع من العلم، منها: أن البداءة باليمين في الشراب ونحوه سنة، وهذا مما لا خلاف فيه، ونقل عن مالك تخصيص ذلك بالشراب، وقال ابن عبد البر وغيره: لا يصح هذا عن مالك. [النووي في شرح مسلم (١٣/ ١٧٠)].
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه (٣٣٩١) كتاب أحاديث الأنبياء، [باب] قول اللَّه تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ =

<<  <  ج: ص:  >  >>