للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجلس في قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (١) الآيات

سببها أن المسلمين قالوا يا رسول اللَّه، بنو إسرائيل كانوا أكرم على اللَّه منا؛ كانوا إذا أذنبوا أصبحت كفارة ذنوبهم في عتبة بابهم: افعل كذا، فسكت فأنزل اللَّه: ﴿وَسَارِعُوا. . . .﴾ أي سابقوا إلى الأعمال التي توجب المغفرة، وتشمل الصلاة والزكاة والجهاد والتوبة وغيرها، حتى قال أنس: المراد التكبيرة الأولى، ﴿وَجَنَّةٍ﴾ أي وإلى جنة عرضها؛ أي كعرض، كقوله: ﴿إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] أي كبعث نفس واحدة. وقد قال في سورة الحديد: ﴿عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ (٢)؛ لو بسطت ووصل بعضها إلى بعض، وإنما خص العرض على المبالغة؛ لأن طول كل شيء في الأغلب أكبر من عرضه.

يقول هذه صفة عرضها فكيف طولها؟ (٣) ولهذا قال الزهري: إنما وصف عرضها، وأما طولها فلا يعلمه إلا اللَّه، وهكذا قوله: ﴿بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ [الرحمن: ٥٤] فإذا كان هذا وصف البطانة فما ظنك؟

وقال أكثر أهل المعاني: لم يرد العرض الذي هو ضد الطول، وإنما أراد سعتها وعظمها؛ أي كعرض السموات السبع والأرضين السبع (٤) عند ظنكم، كقوله:


(١) سورة آل عمران (١٣٣).
معنى قوله: ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ تنبيه على اتساع طولها، وروى البخاري في صحيحه (٤/ ١٩): "إذا سألتم اللَّه الجنة فاسألوه الفردوس؛ فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وسقفها عرش الرحمن".
(٢) سورة الحديد (٢١).
(٣) حث اللَّه تعالى على المبادرة إلى الخيرات وفعل الطاعات، وترك المحرمات التي تكفر عنه الذنوب والزلات، وتحصل له الثواب والدرجات فقال تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: ٢١]، والمراد: جنس السماء والأرض. [تفسير ابن كثير (٤/ ٣١٢)].
(٤) روى ابن جرير بسنده عن يعلى بن مرة قال: لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول اللَّه يحمص شيخا كبيرا قد فسد، فقال: قدمت على رسول اللَّه بكتاب هرقل، فتناول الصحيفة رجل عن يساره قال: قلت: من صاحبكم الذي يقرأ؟ قال: معاوية، فإذا كتاب صاحبي: إنك كتبت تدعوني =

<<  <  ج: ص:  >  >>