للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيما يرى النائم، وكأني أقول له: أنت يوسف البريء، قال: وأنت سليمان البريء.

الثانية عشرة: قال وهيب بن الورد : بلغنا أن إبليس -لعنه اللَّه- تَبَّدى ليحيى بن زكريا (١) فقال: إني أريد أن أنصحك، قال: كذبت إنك لم تنصحني، فأوحى اللَّه -تعالى- إليه: يا يحيى سله فإنه يَصْدُقُك، فقال: أخبرني عن بني آدم؟ قال: هم عندنا على ثلاثة أصناف: أما صنف منهم فهم أشد الأصناف؛ يقتل حتى نفسه ثم يفزع إلى التوبة والاستغفار ويفسد كل شيء أدركناه منه، ثم يعود إليه فنعود، فلا نحن نيأس منه ولا ننال حاجتنا، فنحن من ذلك في غنى.

وأما الصنف الآخر: فهم بين أيدينا بمنزلة الكرة بين أيدي صبيانكم؛ نلقيهم كيف نشاء، قد كفونا أنفسهم.

وأما الصنف الآخر: فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء.

فقال يحيى عند ذلك: فهل قدرت مني على شيء؟ قال: لا إلا مرة واحدة، فإنك قدمت طعامًا تأكله فلم أزل أشهيه إليك حتى أكلت أكثر مما تريد فنمت تلك الليلة ولم تقم إلى الصلاة كما كنت تقوم إليها، فقال يحيى : لا أشبع من طعام أبدًا (٢) قال إبليس: لا جرم، لا أنصح آدميًا بعدك أبدًا، وأنشدوا:

وكم من أكلة منعت أخاها … بأكلة ساعة أكلات دهري

وكم من طالب يسعى لشيء … وفيه هلاكه لو كان يدري

ذكر بعض المصنفين هذين البيتين بعد هذه الحكاية وليس ذلك مناسبًا لحال يحيى وإنما يناسب في هذا المعنى:

وكم من أكلة حرمت كثيرًا … من الخيرات في طاعة مولى

ولذَّاتٍ بخلوات تجلى … بها المولى وقد ناجاه ليلًا


(١) قال تعالى: ﴿يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)﴾ مريم [١٢ - ١٥]. كان ابن المسيب يذكر قال: قال رسول اللَّه : "ما من أحد يلقي اللَّه يوم القيامة إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا، قال قتادة: ما أذنب ولا هم بامرأة، وقال محمد بن إسحاق: سنده عن ابن المسيب حدثني ابن العاص أنه سمع النبي قال: "كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا". "تفسير ابن كثير [٣/ ١١٧] ".
(٢) روى الترمذي في سننه [٢٣٨٠] كتاب الزهد، باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل، عن مقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول اللَّه يقول "ما ملا آدمي وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لثرابه وثلث لنفسه"، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>