للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بني إسرائيل، فلما رأته رجعت مبادرة فقالت لابنة الملك: إني رأيت شابًا يبيع القفاف لم أر شابًا قط أحسن منه، فقالت لها: أدخليه، فخرجت إليه وقالت: يا فتى ادخل نشتري منك، فدخل، فأغلقت الباب دونه، ثم دخل بابًا آخر فكذلك، حتى أغلقت ثلاثة أبواب، ثم استقبلته بنت الملك كاشفة عن وجهها ونحرها، فقال: اشتروا حاجتكم، فقالت: إنا لم ندعك لهذا، إنما دعوناك لكذا -يعني تراوده عن نفسه- فقال لها: اتق اللَّه، قالت: إن لم تطاوعني على ما أريد أخبرت الملك أنك إنما دخلت عليَّ تكابدني على نفسي، فوعظها، فأبت، فقال: ضعوا لي وضوءًا، فقالت: أعليَّ يتعلل؟! يا جارية ضعي له وضوءًا فوق الجوسق -مكان لا يستطيع أن يفر منه- قال: وكان من فوق الجوسق (١) إلى الأرض أربعون ذراعًا، فلما صار في أعلى الجوسق قال: اللهم إني دعيت إلى معصيتك، وإني أختار أن أرمي بنفسي من الجوسق ولا أرتكب المعصية، ثم قال: بسم اللَّه، وألقى بنفسه من أعلى الجوسق، فأهبط اللَّه إليه ملكًا من الملائكة، فأخذ بضبعيه (٢) فوقع قائمًا على رجليه، فلما صار في الأرض قال: اللهم إن شئت رزقتني رزقًا تقيني به بيع هذه القفاف، فأرسل اللَّه إليه جرادا من ذهب، فأخذ منه حتى ملأ ثوبه، فلما صار في ثوبه قال: اللهم إن كان هذا رزقًا رزقتنيه في الدنيا فبارك لي فيه، فإن كان ينقص مما لي عندك فلا حاجة لي فيه، قال: فنودي أن هذا الذي أعطيناك جزء من خمسة وعشرين جزءًا من أجرك على إلقائك نفسك من هذا الجوسق، فقال: اللهم لا حاجة لي فيما ينقصني عندك في الآخرة، فرفع ذلك منه، وقيل للسلطان: هلا أغريته بارتكاب الفاحشة؟ فقال: كيف أغوي من بذل نفسه للَّه تعالى.

وللَّه در القائل:

وسائل عنهم ماذا يقدمهم … فقلت فعل به عن غيرهم بانوا

صانوا النفوس عن الفحشاء ولو ابتدا … منهن في سبيل العلياء ما صانوا

الحادية عشرة: عن مصعب بن عثمان قال: كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجهًا، فدخلت عليه امرأة فسالته نفسه فامتنع عليها، فقالت: إذن أفضحك، فخرج هاربًا من منزله وتركها فيه، قال سليمان: فرأيت بعد ذلك يوسف (٣)


(١) الجوسق: هو القصر الصغير والحصن، وجمعها: جواسق.
(٢) الضَّبع: ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاها، وهما ضبعان.
(٣) لقد فعل كما فعل نبى اللَّه يوسف وذلك فيما ورد من قوله - تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٥)﴾ [يوسف: ٢٤ - ٢٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>