للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاءت عجوز فطلبت منه متاعًا مرتفعًا فأخرج لها ما طلبت، فقالت له: تُوَجهُ معي إنسانًا حتى يأخذ ما نحتاج إليه وندفع له الثمن ونرد الباقي معه، فقال لي: تنشط أن تمضي معها، فقلت: نعم، فمضيت معها حتى أدخلتني إلى قصر عظيم فيه قُبَّة، وعلى بابه خُدَّام وحُجَّاب، فلما وصل إلى صحن الدار إذا أنا ببنيان عظيم؛ قبة عليها شارة، فقالت ادخل القبة واجلس فيها، فدخلت فإذا أنا بجارية على سرير عليه فُرش كلها ذهب لم أر أحسن منها وعليها من كل الحلبي، فنزلت عنه وضربت بيدها فيَّ وأخذتني إليها، فقلت لها: اللَّه اللَّه، فقالت: لا بأس عليك، لك عندى ما تحب، فقلت لها: إني حاقب (١) فصاحت بالجواري، فإذا بهن أقبلن، فقالت لهن: قدام مولاكن إلى الخلاء، فلما دخلت الخلاء لم أجد لي فيه مسلكا أفر منه، فحللت سراويلي وتغوطت في كفي ومسحت به وجهي وبدني وقلبت عيناي، فدخلت جارية بيدها ماء ومنديل، فصحت في وجهها كالمجنون، فولت هاربة مني وقالت: مجنون، فجاء الجواري ومعهن بساط فأدرجتني وجملتني فطرحتني في بستان، فلما علمت أنهن مضين قمت فغسلت ثيابي ووجهي وسائر بدني، ومضيت إلى منزلي ولم أُحَدِّث به أحدًا، فرأيت تلك الليلة في منامي رجلًا فقال لي: ابن يوسف بن يعقوب (٢) بن إسحاق بن إبراهيم خليل اللَّه هل تعرفني؟ قلت: لا، فقال: أنا جبريل، فمسح بيده على وجهي وبدني، فمن ذلك الوقت صار لبدني رائحة المسك يفوح على ثيابي، فهذه الرائحة من يد جبريل ، وأنشدوا:

إذا خايلتك النفس يومًا بشهوة … وكان عليها للخلاف طريق

فخالف هواها ما استطعت فإنما … هواها عدو والخلاف صديق

العاشرة: روي أنه كان شاب في بني إسرائيل لم يُرَ في زمانه أحسن منه، وكان يبيع القِفَاف، فبينما هو ذات يوم يطوف بقفافه إذ خرجت امرأة من دار ملك من ملوك


(١) الحاقب: الذي يخش غائطه.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه [٣٣٨٢] في كتاب أحاديث الأنبياء، [١٨] باب ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾ [البقرة: ١٣٣]، عن ابن عمر، عن النبي أنه قال: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؛ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم " قال النووي: وأصل الكرم كثرة الخير، وقد جمع يوسف مكارم الأخلاق مع شرف النبوة مع شرف النسب، وكونه نبيًا ابن ثلاثة أنبياء متناسلين أحدهم خليل اللَّه وانضم إليهم شرت علم الرؤيا وتمكنه فيه ورياسة الدنيا وملكها بالسيرة الجميلة وحياطته للرعية وعموم نفعه إياهم، وشفقته عليهم وإنقاذه إياهم من تلك السنين واللَّه أعلم. "النووي في شرح مسلم [١٥/ ١١٠] طبعة دار الكتب العلمية".

<<  <  ج: ص:  >  >>